نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا} (13)

ولما كان من رجا ملكاً عمل بما يرضيه . ومن خافة تجنب ما يسخطه ، نبههم على ذلك بالإشارة إلى الجلال الموجب للتوقير والجمال بالإحسان إلى الخلق ، مصرحاً لهم بالترغيب ملوحاً إلى الترهيب ، فقال مستأنفاً في جواب من يقول منهم : هل بقي شيء من قولك ؟ : { ما } أي أيّ شيء يحصل { لكم } حال كونكم { لا ترجون } أي تكونون في وقت من الأوقات على حال تؤملون بها ، وبين فاعل الوقار ومبدعه بتقديمه ، فإنه لو أخره لكان ل " وقاراً " فقال : { لله } أي الملك الذي له الأمر كله { وقاراً * } أي ثواباً يوقركم فيه ولو قل ، فإن قليله أكثر من كثير غيره ، ولا تخافون له إهانة بالعقاب بأن تعلموا أنه لا بد من أن يحاسبكم بعد البعث فيثيب الطائع ويعاقب العاصي ، كما هي عادة كل أحد مع من تحت يده ، فتوقروا رسله بتصديقهم فتؤمنوا وتعملوا ، فإن من أراد من أحد أنه يوقره وقره وعظمه ليجازيه على ذلك ، فإن الجزاء من جنس العمل ، وذلك إنما يكون بمعرفة الله بما له من الجلال والجمال ، والخلق إنما تفاضلوا بالمعرفة بالله ، لا بالأعمال ، إنما سبق أبو بكر رضي الله عنه الناس بشيء وقر في صدره ، فإن بالمعرفة تزكو الأعمال وتصلح الأقوال ، وإنما يصح تعظيمه سبحانه بأن لا ترى لك عليه حقاً ، ولا تنازع له اختياراً ، وتعظم أمره ونهيه ، بعدم المعارضة بترخيص جاف أو تشديد غال أو حمل على توهم{[68710]} الانقياد ، وتعظم حكمه{[68711]} بأن لا تبغي{[68712]} له عوجاً ولا تدافعه بعلم ، ولا ينبغي له غرض{[68713]} وعلة ، ولأجل أن المطلوب تحصيل الأعمال{[68714]} التي هي أسباب ظاهرية ، عبر بالرجاء ليسرهم بأن أعمالهم مؤثرة ، وعبر بالطمع في غير هذه الآية تنبيهاً{[68715]} على أنه لا سبب في الحقيقة إلا رحمة الله لحال دعا إلى ذلك .


[68710]:- من م، وفي ظ: توهن.
[68711]:- من م، وفي ظ: لحكمه.
[68712]:- من م، وفي ظ: لا تنفي.
[68713]:- من م، وفي ظ: عوضا.
[68714]:- من م، وفي ظ: أعمال.
[68715]:- زيد من م.