الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول: ما لكم لا تخشون لله عظمة، وقال: ما لكم لا تخافون يعني تفرقون لله عظمة في التوحيد، فتوحدونه فإن لم توحدوه لم تعظموه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛

فقال بعضهم: معناه: ما لكم لا ترون لله عظمة. عن مجاهد قال: كانوا لا يبالون عظمة الله.

وقال آخرون: معنى ذلك: لا تعظمون الله حقّ عظمته.

وقال آخرون: ما لكم لا تعلمون لله عظمة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما لكم لا ترجون لله عاقبة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما لكم لا ترجون لله طاعة.

وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ما لكم لا تخافون لله عظمة، وذلك أن الرجاء قد تضعه العرب إذا صحبه الجحد في موضع الخوف.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال أبو بكر الأصم: تأويله: كيف لا ترجون لله ثوابا، فتعبدوه، فيثيبكم بها؟ وقد علمتم أن الخير كله في يده، وأن الذين تعبدون من دون الله، لا يملكون لكم نفعا، ولا يدفعون عنكم ضرا، فجعل قوله: {وقارا} مكان عبادة، والله أعلم.

وقال غيره: ما لكم لا ترجون لأنفسكم عند الله منزلة وشرفا وقدرا؟

وقال بعضهم: أي ما لكم لا تخافون عظمة الله وقدرته عليكم، فتنتهوا عما نهاكم، وتأتوا ما أمركم به؟. وحمل الرجاء على الخوف لما ذكرنا أن الرجاء المطلق يقتضي الخوف والرجاء جميعا، وكذلك الخوف المطلق يقتضي الرجاء، والله أعلم.

والأشبه بالتأويل عندنا أن الرجاء لله تعالى على مآل الغضب لله والحب لله والبغض لله، أي ما لكم لا تسعون سعي من يرجو مما عند الله على الوقار والهيبة بعد أن شاهدتم من نعم الله تعالى وإحسانه إليكم من خلق السماوات والأرض وتسخير الشمس والقمر وما ذكر من منته في الآيات التي يتلوها؟. وذلك أن المرء إذا سعى لآخر على غير رجاء، أو لم يرج أحدا، استحقر به. فألزمهم نوح عليه السلام سعي من يرجوه على التوقير والهيبة على ما عليه في الشاهد أن الساعي للملوك والكبراء على الرجاء كيف يكون منه توقيره إياهم وهيبتهم له، والله أعلم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والمعنى ما لكم لا تكونون على حال تأملون فيها تعظيم الله إياكم في دار الثواب.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

قالوا: والوقار: العظمة والسلطان، فكأن الكلام على هذا وعيد وتخويف، وقال بعض العلماء {ترجون} على بابها في الرجاء وكأنه قال: ما لكم لا تعجلون رجاءكم لله وتلقاءه وقاراً، ويكون على هذا التأويل منهم كأنه يقول: تؤدة منكم وتمكناً في النظر لأن الكفر مضمنه الخفة والطيش وركوب الرأس.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب فقال: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} أي: عظمة قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقال ابن عباس: لا تعظمون الله حق عظمته، أي: لا تخافون من بأسه ونقمته.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان من رجا ملكاً عمل بما يرضيه، ومن خافة تجنب ما يسخطه، نبههم على ذلك بالإشارة إلى الجلال الموجب للتوقير والجمال بالإحسان إلى الخلق، مصرحاً لهم بالترغيب ملوحاً إلى الترهيب، فقال مستأنفاً في جواب من يقول منهم: هل بقي شيء من قولك؟: {ما} أي أيّ شيء يحصل {لكم} حال كونكم {لا ترجون} أي تكونون في وقت من الأوقات على حال تؤملون بها، وبين فاعل الوقار ومبدعه بتقديمه، فإنه لو أخره لكان ل "وقاراً " فقال: {لله} أي الملك الذي له الأمر كله {وقاراً} أي ثواباً يوقركم فيه ولو قل، فإن قليله أكثر من كثير غيره، ولا تخافون له إهانة بالعقاب بأن تعلموا أنه لا بد من أن يحاسبكم بعد البعث فيثيب الطائع ويعاقب العاصي، كما هي عادة كل أحد مع من تحت يده، فتوقروا رسله بتصديقهم فتؤمنوا وتعملوا، فإن من أراد من أحد أنه يوقره وقره وعظمه ليجازيه على ذلك، فإن الجزاء من جنس العمل، وذلك إنما يكون بمعرفة الله بما له من الجلال والجمال، والخلق إنما تفاضلوا بالمعرفة بالله، لا بالأعمال، إنما سبق أبو بكر رضي الله عنه الناس بشيء وقر في صدره، فإن بالمعرفة تزكو الأعمال وتصلح الأقوال، وإنما يصح تعظيمه سبحانه بأن لا ترى لك عليه حقاً، ولا تنازع له اختياراً، وتعظم أمره ونهيه، بعدم المعارضة بترخيص جاف أو تشديد غال أو حمل على توهم الانقياد، وتعظم حكمه بأن لا تبغي له عوجاً ولا تدافعه بعلم، ولا ينبغي له غرض وعلة، ولأجل أن المطلوب تحصيل الأعمال التي هي أسباب ظاهرية، عبر بالرجاء ليسرهم بأن أعمالهم مؤثرة، وعبر بالطمع في غير هذه الآية تنبيهاً على أنه لا سبب في الحقيقة إلا رحمة الله لحال دعا إلى ذلك.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ونمضي مع نوح في جهاده النبيل الطويل. فنجده يأخذ بقومه إلى آيات الله في أنفسهم وفي الكون من حولهم، وهو يعجب من استهتارهم وسوء أدبهم مع الله، وينكر عليهم ذلك الاستهتار: (ما لكم لا ترجون لله وقارا؟ وقد خلقكم أطوارا؟).. والأطوار التي يخاطب بها قوم نوح في ذلك الزمان لا بد أن تكون أمرا يدركونه، أو أن يكون أحد مدلولاتها مما يملك اولئك القوم في ذلك الزمان أن يدركوه، ليرجو من وراء تذكيرهم به أن يكون له في نفوسهم وقع مؤثر، يقودهم إلى الاستجابة. والذي عليه أكثر المفسرين أنها الأطوار الجنينية من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى الهيكل إلى الخلق الكامل.. وهذا يمكن أن يدركه القوم إذا ذكر لهم. لأن الأجنة التي تسقط قبل اكتمالها في الأرحام يمكن أن تعطيهم فكرة عن هذه الأطوار. وهذا أحد مدلولات هذه الآية. ويمكن أن يكون مدلولها ما يقوله علم الأجنة. من أن الجنين في أول أمره يشبه حيوان الخلية الواحدة، ثم بعد فترة من الحمل يمثل الجنين شبه الحيوان المتعدد الخلايا. ثم يأخذ شكل حيوان مائي. ثم شكل حيوان ثديي. ثم شكل المخلوق الإنساني.. وهذا أبعد عن إدراك قوم نوح. فقد كشف هذا حديثا جدا. وقد يكون هذا هو مدلول قوله تعالى في موضع آخر بعد ذكر أطوار الجنين: ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.. كما أن هذا النص وذاك قد تكون لهما مدلولات أخرى لم تتكشف للعلم بعد.. ولا نقيدهما.. وعلى أية حال فقد وجه نوح قومه إلى النظر في أنفسهم، وأنكر عليهم أن يكون الله خلقهم أطوارا، ثم هم بعد ذلك لا يستشعرون في أنفسهم توقيرا للجليل الذي خلقهم.. وهذا أعجب وأنكر ما يقع من مخلوق!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

بَدَّلَ خطابه مع قومه من طريقة النصح والأمر إلى طريقة التوبيخ بقوله: {ما لكم لا ترجون لله وقاراً.

وهو استفهام صورته صورة السؤال عن أمر ثبت لهم في حال انتفاء رجائهم توقيرَ الله.

والمقصود أنه لا شيء يثبت لهم صارف عن توقير الله فلا عذر لكم في عدم توقيره.