قوله تعالى : { وقد مكر الذين من قبلهم } ، يعني : من قبل مشركي مكة ، والمكر : إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر . { فلله المكر جميعا } ، أي : عند الله جزاء مكرهم ، وقيل : إن الله خالق مكرهم جميعا ، بيده الخير والشر ، وإليه النفع والضر ، فلا يضر مكر أحد أحدا إلا بإذنه . { يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار } ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو { الكافر } على التوحيد ، وقرأ الآخرون : { الكفار } على الجمع . { لمن عقبى الدار } أي : عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار ، ويدخل المؤمنون الجنة .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَدْ مَكَرَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدّارِ } .
يقول تعالى ذكره : قد مكر الذين من قبل هؤلاء المشركين من قريش من الأمم التي سلفت بأنبياء الله ورسله فللّه المَكْرُ جَمِيعا يقول : فللّه أسباب المكر جميعا ، وبيده وإليه ، لا يضرّ مكر من مكر منهم أحدا إلاّ من أراد ضرّه به ، يقول : فلم يضرّ الماكرون بمكرهم إلاّ من شاء الله أن يضرّه ذلك ، وإنما ضرّوا به أنفسهم لأنهم أسخطوا ربهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم ، ونجى رسله : يقول : فكذلك هؤلاء المشركون من قريش يمكرون بك يا محمد ، والله منجيك من مكرهم ، ومُلحق ضرّ مكرهم بهم دونك . وقوله : يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ يقول : يعلم ربك يا محمد ما يعمل هؤلاء المشركون من قومك وما يَسْعون فيه من المكر بك ، ويعلم جميع أعمال الخلق كلهم ، لا يخفى عليه شيء منها . وَسَيَعْلَمُ الكُفّارُ لمَنْ عُقْبَى الدّارِ يقول : وسيعلمون إذا قدموا على ربهم يوم القيامة لمن عاقبة الدار الاَخرة حين يدخلون النار ، ويدخل المؤمنون بالله ورسوله الجنة .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته قرّاء المدينة وبعض أهل البصرة : «وَسَيَعْلَمُ الكافِرُ » على التوحيد ، وأما قرّاء الكوفة فإنهم قرءوه : وَسَيَعْلَمُ الكُفّارُ على الجمع .
والصواب من القراءة في ذلك القراءة على الجمع : وسَيَعْلَمُ الكُفّارُ لأن الخبر جرى قبل ذلك عن جماعتهم ، وأتبع بعده الخبر عنهم ، وذلك قوله : وإمّا نُرِيَنّكَ بَعْضَ الّذِي نَعِدُهُمْ أوْ نَتَوَفّيَنّكَ وبعده قوله : وَيَقولُ الّذِينَ كَفَروا لَسْتَ مُرْسَلاً . وقد ذكر أنها في قراءة ابن مسعود : «وَسَيَعْلَمَ الكافِرُون » ، وفي قراءة أبيّ : «وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ كَفَرُوا » وذلك كله دليل على صحة ما اخترنا من القراءة في ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.