تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ ٱلۡمَكۡرُ جَمِيعٗاۖ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٖۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلۡكُفَّـٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (42)

وقوله تعالى : ( وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) أي مكر الذين من قبلهم برسلهم ، كمكر هؤلاء بك ، يصبر رسوله على أذاهم به ، ثم يحتمل المكر وجهين :

أحدهما : مكروا بنفسه : هموا قتله وإهلاكه .

والثاني : مكروا بدينه الذي دعاهم إليه ، وأراد إظهاره ، فهموا[ في الأصل وم : هموا ] هم إطفاء ذلك وإبطاله ، وكذلك ( مكر الذين من قبلهم ) برسلهم يخرج على هذا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( فلله المكر جميعا ) وهذا أيضا يخرج على وجهين :

أحدهما : يقول : فلله جزاء المكر جميعا ؛ يجزي كلا بمكره .

والثاني : أي لله حقيقة المكر ؛ يأخذهم جميعا بالحق من حيث لا يشعرون .

وأما هم فإنما يأخذون[ في الأصل وم : يأخذوه ] ما يأخذون لا بالحق ، ولكن بالباطل ، ولا يقدرون على الأخذ من حيث لا يشعرن إلا قليلا من ذلك ، فحقيقة المكر الذي هو مكر بالحق في الحقيقة لله ، لا لهم .

ويحتمل قوله : ( فلله المكر جميعا ) أي لله تدبير المكر جميعا ، إن شاء أمضاه وإن شاء منعه ، إليه ذلك ، لا إليهم ، أو لله حقيقة المكر يغلب مكره مكر أولئك .

وقوله تعالى : ( يعلم ما تكسب كل نفس ) من خير أو شر ( وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ) يشبه أن يكون عقبى الدار معروفا عندهم ، وهي الجنة ، فيكون صلة قولهم ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى )[ البقرة : 111 ] فيقول ، والله أعلم : سيعلمون هم ( لمن عقبى الدار ) أهي لهم ، أم هي للمؤمنين ؟ أو أن يكون جواب ( ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا )[ الكهف : 36 ] لما رأوا أنفسهم[ في الأصل وم : هم ] مفضلين في أمر الدنيا ، ووسع عليهم الدنيا ، ظنوا أن لهم في الآخرة كذلك ، فقال ذلك جوابا لهم .