لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَقَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ ٱلۡمَكۡرُ جَمِيعٗاۖ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٖۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلۡكُفَّـٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (42)

{ وقد مكر الذين من قبلهم } يعني من قبل مشركي مكة من الأمم الماضية ، الذين مكروا بأنبيائهم والمكر إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر مثل ما مكر نمرود بإبراهيم وفرعون بموسى واليهود بعيسى ، { فلله المكر جميعاً } يعني عند الله جزاء مكرهم . وقال الواحدي : يعني جميع مكر الماكرين له ومنه أي هو من خلقه وإرادته ، فالمكر جميعاً مخلوق له بيده الخير والشر وإليه النفع والضر . والمعنى أن المكر لا يضر إلا بإذنه وإرادته ، وفي هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وأمان له من مكرهم كأنه قيل : قد فعل من كان قبلهم من الكفار مثل فعلهم وصنعوا مثل صنيعهم ، فلم يضروا إلا من أراد الله ضره ، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن لا يكون الخوف إلا من الله لا من أحد من المخلوقين { يعلم ما تكسب كل نفس } يعني أن جميع اكتساب العباد وتأثيراتها معلومة لله هو خالقها أو خلاف المعلوم ممتنع الوقوع وإذا كان كذلك فكل ما علم وقوعه فهو واجب الوقوع وكل ما علم عدمه كان ممتنع الوقوع ، وإذا كان كذلك فلا قدرة للعبد على الفعل والترك ، فكان الكل من الله ولا يحصل ضرراً إلا بإذنه وإرادته ، وفيه وعيد للكفار الماكرين { وسيعلم الكافر } على التوحيد وقرئ وسيعلم الكفار على الجمع ، قال ابن عباس : يعني أبا جهل . وقيل : أراد المستهزئين وهم خمسة نفر من كفار مكة { لمن عقبى الدار } والمعنى أنهم وإن كانوا جهالاً بالعواقب فسيعلمون أن العاقبة الحميدة للمؤمنين ، ولهم العاقبة المذمومة في الآخرة حين يدخلون النار ، ويدخل المؤمنون الجنة .