البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ ٱلۡمَكۡرُ جَمِيعٗاۖ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٖۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلۡكُفَّـٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (42)

ثم أخبر تعالى أن الأمم السابقة كان يصدر منهم المكر بأنبيائهم كما فعلت قريش ، وأنّ ذلك عادة المكذبين للرسل ، مكر بابراهيم نمروذ ، وبموسى فرعون ، وبعيسى اليهود ، وجعل تعالى مكرهم كلا مكر إذ أضاف المكر كله له تعالى .

ومعنى مكره تعالى عقوبته إياهم ، سماها مكراً إذ كانت ناشئة عن المكر وذلك على سبيل المقابلة كقوله : { الله يستهزىء بهم } ثم فسر قوله فللَّه المكر ، بقوله : يعلم ما تكسب كل نفس ، والمعنى : يجازي كل نفس بما كسبت .

ثم هدد الكافر بقوله : وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار ، إذ يأتيه العذاب من حيث هو في غفلة عنه ، فحينئذ يعلم لمن هي العاقبة المحمودة .

وقرأ جناح بن حبيش : وسيعلم الكافر مبنياً للمفعول من أعلم أي : وسيخبر .

وقرأ الحرميان ، وأبو عمرو : الكافر على الإفراد والمراد به الجنس ، وباقي السبعة الكفار جمع تكسير ، وابن مسعود : الكافرون جمع سلامة وأبي الذين كفروا ، وفسر عطاء الكافر بالمستهزئين وهم خمسة ، والمقتسمين وهم ثمانية وعشرون .

وقال ابن عباس : يريد بالكافر أبا جهل .

وينبغي أن يحمل تفسيره عطاء على التمثيل ، لأنّ الإخبار بعلم الكافر لمن عقبى الدار معنى يعم جميع الكفار ،