اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ ٱلۡمَكۡرُ جَمِيعٗاۖ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٖۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلۡكُفَّـٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (42)

قوله : { وَقَدْ مَكَرَ الذين مِن قَبْلِهِمْ } يعني من قبل مشركي مكمة والمكر : إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر { فَلِلَّهِ المكر جَمِيعاً } أي : عند الله جزاء مكرهم .

قال الواحدي رحمه الله : يعني أن مكر جمعي الماكرين حاصل بتخليقه وإرادته لأنه تعالى هو الخالق لجميع العباد والمكر لا يصح إلا بإذنه ، ولا يؤثر إلا بتقديره وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وأمانٌ له من مكرهم ، فكأنه قيل : إذا كان حدوث المكر من الله وتأثيره في المأمور به من الله تعالى وجب أن لا يكون الخوف إلا من الله .

ثم قال جل ذكره { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } ، أي : أن اكتساب العباد معلوم لله تعالى وخلاف المعلوم ممتنع الوقوع ، وإذا كان كذلك فلا قدرة للعبد على الفعل والترك ، فكان الكل من الله تعالى .

قالت المعتزلة : الآية الأولى إن دلت على قولكم ، فقوله { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } دليل على قولنا ، لأن الكسب هو الفعل المشتمل على دفع مضرة أو جلب منفعة ، ولو كان حدوث الفعل

[ بخلق ] الله تعالى لم تكن لقدرة العبد فيه أثر ، فوجب أن لا يكون للعبد فيه كسب .

والجواب : أن جميع القدرة مع الداعي مستلزم للفعل وعلى هذا التقدير فالكسب حاصل للعبد .

ثم إنه تعالى أكد ذلك التهديد فقال جل ذكره { وَسَيَعْلَمُ الكفار } قرأ ابن عامر والكوفيون " الكُفَّار " جمع تكسير والباقون : " الكَافِرُ " بالإفراد ذهاباً إلى الجنس .

وقرأ عبدالله " الكَافِرُونَ " جمع سلامة .

قال الزمخشري : " قرىء : الكَّفارُ والكَافرُون والذين كفرُوا ، والكَافِرُ " .

قال المفسرون : والمراد بالكافر : الجنس ، كقوله تعالى : { إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 2 ] .

وقال عطاء رحمه الله تعالى : يريد المستهزئين وهم خمسة ، والمقتسمين وهم ثمانية وعشرون " وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد أبا جهل ، والأول هو الصواب .