فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ ٱلۡمَكۡرُ جَمِيعٗاۖ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٖۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلۡكُفَّـٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (42)

{ وَقَدْ مَكَرَ الذين مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا } أي : قد مكر الكفار الذين من قبل كفار مكة بمن أرسله الله إليهم من الرسل ؛ فكادوهم وكفروا بهم ، وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم حيث أخبره أن هذا ديدن الكفار من قديم الزمان مع رسل الله سبحانه ، ثم أخبره بأن مكرهم هذا كالعدم ، وأن المكر كله لله ، فقال : { فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا } لا اعتداد بمكر غيره ، ثم فسر سبحانه هذا المكر الثابت له دون غيره ، فقال : { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } من خير وشرّ فيجازيها على ذلك ، ومن علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها كان المكر كله له ؛ لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون . وقال الواحدي : إن مكر الماكرين مخلوق فلا يضرّ إلاّ بإرادته . وقيل : فالمعنى فللّه جزاء مكر الماكرين { وَسَيَعْلَمْ * الكافر لِمَنْ عُقْبَى الدار } . قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو «الكافر » بالإفراد ، وقرأ الباقون { الكفار } بالجمع ، أي : سيعلم جنس الكافر لمن العاقبة المحمودة من الفريقين في دار الدنيا ، أو في الدار الآخرة ، أو فيهما . وقيل المراد بالكافر ، أبو جهل .

/خ43