فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ ٱلۡمَكۡرُ جَمِيعٗاۖ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٖۗ وَسَيَعۡلَمُ ٱلۡكُفَّـٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (42)

{ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ( 42 ) }

{ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي قد مكر الكفار الذين من قبل كفار مكة بمن أرسله الله إليهم من الرسل فكادوهم وكفروا بهم ، والمكر إيصال المكروه إلى الإنسان الممكور به من حيث لا يشعر ، مثل مكر نمرود بإبراهيم وفرعون بموسى ويهود بعيسى ؛ وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم حيث أخبره أن هذا ديدن الكفار من قديم الزمان مع رسل الله سبحانه ثم أخبره بأن مكرهم هذا كالعدم ولا تأثير له وأن المكر كله لله لا اعتداد بمكر غيره ، فقال { فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا } يعني عند الله جزاء مكرهم وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمان له من مكرهم . وقال الواحدي : يعني جميع مكر الماكرين له ومنه أي هو من خلقه وإرادته ، فالمكر جميعا مخلوق له بيده الخير والشر وإليه النفع والضر ، والمعنى أن المكر لا يضر إلا بإذنه وإرادته فإثباته لهم باعتبار الكسب ونفيه عنهم باعتبار الخلق .

ثم فسر سبحانه هذا المكر الثابت له دون غيره فقال : { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } من خير وشر ، فيجازيها على ذلك ومن علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها كان المكر كله له لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون { وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ } جميعهم وقرئ الكافر على التوحيد أي جنس الكافر وقيل المراد بالكافر أبو جهل { لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ } أي العاقبة المحمودة من الفريقين في دار الدنيا أو في دار الآخرة أو فيهما .