{ وشاهد ومشهود } أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عبد الله بن موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة ، والشاهد يوم الجمعة ، ما طلعت شمس ولا غربت على يوم أفضل منه فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله فيها بخيرً إلا استجاب الله له ، أو يستعيذ به من شر إلا أعاذه منه " ، وهذا قول ابن عباس . والأكثرون : أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة . وروى عن ابن عمر : الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود يوم النحر . قال سعيد بن المسيب : الشاهد يوم التروية ، والمشهود : يوم عرفة . وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : الشاهد : محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود : يوم القيامة ، ثم تلا : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً }( النساء- 41 ) ، وقال : ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود . وقال عبد العزيز بن يحيى : الشاهد : محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود : الله عز وجل ، بيانه : قوله { وجئنا بك على هؤلاء شهيدا }( النساء-41 ) . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : الشاهد : آدم ، والمشهود : يوم القيامة . وقال عكرمة الشاهد : الإنسان والمشهود : يوم القيامة . وعنه أيضاً : الشاهد الملك يشهد على ابن آدم ، والمشهود يوم القيامة . وتلا : { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد }( ق- 21 ) ، { وذلك يوم مشهود } ( هود- 103 ) ، وقيل : الشاهد الحفظة والمشهود بنو آدم . وقال عطاء بن يسار : الشاهد آدم وذريته ، والمشهود يوم القيامة . وروى الوالبي عن ابن عباس : الشاهد هو الله عز وجل والمشهود يوم القيامة . وقال الحسين بن الفضل : الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم . بيانه : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس }( البقرة- 143 ) . وقال سالم بن عبد الله : سألت سعيد بن جبير عن قوله : { وشاهد ومشهود } فقال : الشاهد هو الله والمشهود : نحن ، بيانه : { وكفى بالله شهيداً }( النساء- 79 ) ، وقيل : الشاهد أعضاء بني آدم بيانه : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم } الآية ( النور- 24 ) ، وقيل : الشاهد الأنبياء والمشهود محمد بيانه : قوله : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين }( آل عمران-81 ) إلى قوله { فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } ( آل عمران- 81 ) .
وقوله : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قسم ثالث ببعض مخلوقاته - تعالى - . والشاهد اسم فاعل من المشاهدة بمعنى الرؤية ، فالشاهد هو الرائى ، أو المشهود عليه بأنه حق
فالمراد بالشاهد : من يحضر ذلك اليوم من الخلائق المبعوثين ، وما يراه فيه من عجائب وأهوال ، من المشاهدة بمعنى الرؤية والحضور ، أو من يشهد فى ذلك اليوم على غيره ، من الشهادة على الخصم .
وقد ذكر المفسرون فى معنى هذين اللفظين ، ما يقرب من عشرين وجها .
قال صاحب الكشاف وقوله : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } يعنى : وشاهد فى ذلك اليوم ومشهود فيه . والمراد بالشاهد : من يشهد فيه من الخلائق كلهم . وبالمشهود : ما فى ذلك اليوم من عجائبه . ثم قال : وقد اضطربت أقوال المفسرين فيما ، فقيل : الشاهد والمشهود : محمد صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة . وقيل : عيسى وأمته . وقيل : أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأمم . وقيل : يوم التروية ويوم عرفة . وقيل : يوم عرفة ويوم الجمعة . وقيل : الحجر الأسود ، والحجيج . وقيل : الأيام والليالى . وقيل : الحفظة وبنو آدم . .
ويبدو لنا أن أقرب الأقوال والصواب : أن المراد بالشاهد هنا : الحاضر فى ذلك اليوم العظيم وهو يوم القيامة ، والرائى لأهواله وعجائبه .
وأن المراد بالمشهود : ما يشاهد فى ذلك اليوم من أحوال يشيب لها الولدان .
وقال - سبحانه - { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } بالتنكير ، لتهويل أمرهما ، وتفخيم شأنهما
وقوله : { ومشهود } ، معناه : عليه أو له أو فيه ، وهذا يترتب بحسب الحساب في تعيين المراد ب «شاهد ومشاهد » ، فقد اختلف الناس في المشار إليه بهما فقال ابن عباس : الشاهد الله تعالى ، والمشهود يوم القيامة ، وقال ابن عباس والحسن بن علي وعكرمة : الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود يوم القيامة ، قال الله تعالى : { إنا أرسلناك شاهداً }{[11720]} [ الأحزاب : 45 ، الفتح : 8 ] ، وقال في يوم القيامة { وذلك يوم مشهود }{[11721]} [ هود : 103 ] ، وقال مجاهد وعكرمة أيضاً : الشاهد آدم وجميع ذريته ، والمشهود يوم القيامة ، ف { شاهد } اسم جنس على هذا ، وقال بعض من بسط قول مجاهد وعكرمة : { شاهد } أراد به رجل مفرد أو نسمة من النسم ، ففي هذا تذكير بحقارة المسكين ابن آدم ، والمشهود يوم القيامة ، وقال الحسن بن أبي الحسن وابن عباس أيضاً : الشاهد يوم عرفة ، ويوم الجمعة ، والمشهود يوم القيامة ، وقال ابن عباس وعلي وأبو هريرة والحسن وابن المسيب وقتادة : { شاهد } يوم الجمعة ، { ومشهود } يوم عرفة ، وقال ابن عمر : { شاهد } يوم الجمعة ، { ومشهود } يوم النحر ، وقال جابر : { شاهد } يوم الجمعة ، { ومشهود } الناس ، وقال محمد بن كعب : الشاهد أنت يا ابن آدم ، والمشهود الله تعالى ، وقال ابن جبير بالعكس ، وتلا : { وكفى بالله شهيداً }{[11722]} [ النساء : 79-166 ، الفتح : 28 ] ، وقال أبو مالك : الشاهد عيسى ، والمشهود أمته ، قال الله تعالى : { وكنت عليهم شهيداً }{[11723]} [ المائدة : 117 ] قال ابن المسيب : { شاهداً } يوم التروية ، { ومشهود } يوم عرفة ، وقال بعض الناس في كتاب النقاش : الشاهد يوم الإثنين والمشهود يوم الجمعة ، وذكره الثعلبي ، وقال علي بن أبي طالب : الشاهد يوم عرفة ، والمشهود يوم النحر ، وعنه أيضاً : { شاهد } يوم القيامة { ومشهود } يوم عرفة . وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { شاهد } يوم الجمعة { ومشهود } يوم عرفة . قاله علي وأبو هريرة والحسن ، وقال إبراهيم النخعي : الشاهد يوم الأضحى والمشهود يوم عرفة .
قال القاضي أبو محمد : ووصف هذه الأيام ب { شاهد } لأنها تشهد لحاضريها بالأعمال ، والمشهود فيما مضى من الأقوال بمعنى المشاهد بفتح الهاء ، وقال الترمذي : الشاهد الملائكة الحفظة ، والمشهود عليهم الناس ، وقال عبد العزيز بن يحيى عند الثعلبي : الشاهد محمد ، والمشهود عليهم أمته نحو قوله تعالى :
{ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً }{[11724]} [ النساء : 41 ] أي شاهداً ، قال : الشاهد الأنبياء : والمشهود عليهم أممهم ، وقال الحسن بن الفضل : الشاهد أمة محمد ، والمشهود عليهم قوم نوح ، وسائر الأمم حسب الحديث المقصود في ذلك ، وقال ابن جبير أيضاً : الشاهد ، الجوراح التي تنطق يوم القيامة فتشهد على أصحابها ، والمشهود عليهم أصحابها ، وقال بعض العلماء : الشاهد الملائكة المتعاقبون في الأمة ، والمشهود قرآن الفجر ، وتفسيره قول الله تعالى : { إن قرآن الفجر كان مشهوداً }{[11725]} [ الإسراء : 87 ] وقال بعض العلماء : الشاهد ، النجم ، والمشهود عليه الليل والنهار ، أي يشهد النجم بإقبال هذا وتمام هذا ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «حتى يطلع الشاهد{[11726]} ، والشاهد النجم » ، وقال بعض العلماء : الشاهد الله تعالى والملائكة وأولو العلم ، والمشهود به الوحدانية وأن الدين عند الله الإسلام ، وقيل الشاهد : مخلوقات الله تعالى ، والمشهود به وحدانيته ، وأنشد الثعلبي في هذا المعنى قول الشاعر [ أبو العتاهية ] : [ المتقارب ]
وفي كل شيء له آية . . . تدل على أنه الواحد{[11727]}
وقيل المعنى : فعل الله بهم ذلك لأنهم أهل له ، فهو على جهة الدعاء بحسب البشر ، لا أن الله يدعو على أحد ، وقيل عن ابن عباس معناه : لعن ، وهذا تفسير بالمعنى ، وقيل هو إخبار بأن النار قتلتهم ، قاله الربيع بن أنس ، وسيأتي بيانه