قوله تعالى : { فإما تثقفنهم } ، تجدنهم .
قوله تعالى : { في الحرب } ، قال مقاتل : إن أدركتهم في الحرب وأسرتهم ، { فشرد بهم من خلفهم } ، قال ابن عباس : فنكل بهم من وراءهم . وقال سعيد بن جبير : أنذر بهم من خلفهم . وأصل التشريد : التفريق والتبديد ، معناه فرق بهم جمع كل ناقض ، أي : افعل بهؤلاء الذي نقضوا عهدك وجاؤوا لحربك فعلاً من القتل والتنكيل ، يفرق منك ويخافك من خلفهم من أهل مكة واليمن .
قوله تعالى : { لعلهم يذكرون } ، يتذكرون ويتعظون ، ويعتبرون ، فلا ينقضون العهد .
ثم بين - سبحانه - ما يجب على المؤمنين نحو هؤلاء الناقضين لعهودهم في كل مرة بدون حياء أو تدبر للعواقب فقال : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } فالقاء في قوله { فَإِمَّا } لترتيب ما عدها على ما قبلها .
وقوله : { تَثْقَفَنَّهُمْ } من الثقف بمعنى الحذق في إدراك الشئ وفعله .
قال الراغب : يقال ثقفت كذا إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر ، ثم يتجوز فيه فيستعمل في الإِدراك وإن لم تكن معه ثقافته .
قال - تعالى - { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب } .
وقوله : { فَشَرِّدْ بِهِم } التشريد وهو عبارة عن التفريق مع الاضطراب ، يقال شردت بنى فلان ، أى : قلعتهم عن مواطنهم وطردتهم عنها حتى فارقوها قال الشاعر :
أطوف في الأباطح كل يوم . . . مخافة أن يشرد بى حكيم
أى : مخافة أن يسمع بى ويطردنى حكيم ، وحكيم رجل من بنى سليم كانت قريش قد ولته الأخذ على أيدى السفهاء .
والمعنى : إنك يا محمد إذا ما أدركت في الحرب هؤلاء الكافرين الناقضين لعهودهم وظفرت بهم - وهم بنو قريظة ومن لف لفهم - . . فافعل بهم فعلا من القتل والتنكيل يتفرق معه جمع كل ناقض للعهد ، ويفزع منه كل من كان على شاكلتهم في الكفر ونقض العهود ، ويعتبر به كل من سمعه من أهل مكة وغيرهم .
فالباء في قوله { فَشَرِّدْ بِهِم } للسبية ، وقوله { مَّنْ خَلْفَهُمْ } مفعول شرد .
والمراد بمن خلقهم : كفار مكة وغيرهم من الضالين ، أى : افعل ببنى قريظة ما يشرط غيرهم خوفا وفزعا .
وقوله { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أى : لعل أولئك المشردين يتعظون بهذا القتل والتنكيل الذي نزل بهؤلاء الناقضين لعهودهم في كل مرة ، فيمنعهم ذلك عن نقض العهد .
هذا ، وإن تلك الآية الكريمة لمن أحكم الآيات التي ترشد المؤمنين إلى وجوب أخذ المستمرين على كفرهم وعنادهم ونقضهم العهود أخذاً شديداً رادعا . . حتى يبقى للمجتمع الإِسلامى أمانه واستقراره وهيبته أمام أعدائه .
إن الآية الكريمة ترسم صورة بديعة للأخذ المفزع ، والهول المرعب ، الذي يكفى السماع به للهرب والشرود ، فما بال من يحل به هذا الأخذ الشديد ؟
إن الضربة المروعة ، بأمر الله - تعالى - رسوله أن ينزلها على رأس كل مستحق لها بسبب كفره وتلاعبه بالعهود . . وبذلك تبقى لدين الله هيبته وسطوته .
{ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ } أي : تغلبهم وتظفر بهم في حرب ، { فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ } أي : نكل بهم ، قاله : ابن عباس ، والحسن البصري ، والضحاك ، والسدي ، وعطاء الخراساني ، وابن عيينة ،
ومعناه : غَلّظ عقوبتهم وأثخنهم قتلا ليخاف من سواهم من الأعداء ، من العرب وغيرهم ، ويصيروا لهم عبرة { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }
وقال السدي : يقول : لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيُصنع{[13094]} بهم مثل ذلك .
{ فإما تثقفنّهم } فإما تصادفنهم وتظفرن بهم ، { في الحرب فشرّد بهم } ففرق عن مناصبتك ونكل عنها بقتلهم والنكاية فيهم { من خلفهم } من وراءهم من الكفرة والتشريد تفريق على اضطراب . وقرئ " فشرذ " بالذال المعجمة وكأنه مقلوب شذر و{ من خلفهم } ، والمعنى واحد فإنه إذا شرد من وراءهم فقد فعل التشريد في الوراء ، { لعلهم يذّكّرون } لعل المشردين يتعظون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.