فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (57)

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشدّة والغلظة عليهم ، فقال : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب فَشَرّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ }أي : فإما تصادفنهم في ثقاف ، وتلقاهم في حالة تقدر عليهم فيها ، وتتمكن من غلبهم { فَشَرّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } أي : ففرّق بقتلهم والتنكيل بهم من خلفهم من المحاربين لك من أهل الشرك حتى يهابوا جانبك ، ويكفوا عن حربك مخافة أن ينزل بهم ما نزل بهؤلاء . والثقاف في أصل اللغة : ما يشد به القناة أو نحوها ، ومنه قول النابغة :

تدعو قعيباً وقد غض الحديد بها *** غصّ الثقاف على ضمّ الأنابيب

يقال ثقفته : وجدته ، وفلان ثقف : سريع الوجود لما يحاوله ، والتشريد : التفريق مع الاضطراب . وقال أبو عبيدة { شرد بِهِمُ } سمع بهم . وقال الزجاج : افعل بهم فعلاً من القتل تفرّق به من خلفهم ، يقال شردت بني فلان : قلعتهم عن مواضعهم وطردتهم عنها حتى فارقوها . قال الشاعر :

أطوّف في الأباطح كل يوم *** مخافة أن يشردني حكيم

ومنه شرد البعير : إذا فارق صاحبه ، وروي عن ابن مسعود أنه قرأ : «فشرد بِهِم » بالذال المعجمة . قال قطرب : التشريذ بالذال المعجمة هو التنكيل ، وبالمهملة هو التفريق . وقال المهدوي : الذال المعجمة لا وجه لها إلا أن تكون بدلاً من الدال المهملة لتقاربهما ، قال : ولا يعرف فشرّذ في اللغة ، وقرئ «مّنْ خَلْفِهِمْ » بكسر الميم والفاء .

/خ60