تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (57)

وقوله تعالى : ( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ ) قيل : تأسرنهم في الحرب ، وقيل : تلقينهم في الحرب ، وقيل : تجدنهم في الحرب . ( فشرد بهم من خلفهم ) قيل : نكل بهم من بعدهم ؛ أي اصنع بهم ما ينكلون من خلفهم ، أي يمنعون ، وقيل : فعظ بهم من خلفهم أي من سواهم .

الآية نزلت في قوم ؛ علم الله أنهم لا يؤمنون ، وكان من عادتهم نقض العهد ، فأمر[ في الأصل وم : فأمرهم ] عز وجل رسوله أن ينكل بهؤلاء[ في الأصل وم : هؤلاء ] ليكون ذلك عبرة وزجرا لم بعدهم ، إن لم يكن ذلك لهم زجرا ، فيكون في تنكيل هؤلاء منفعة لغيرهم إذا رأى غيرهم أنه فعل بهؤلاء ما ذكر . يكون ذلك زجرا لهم عن مثل صنيعهم .

ولهذا ما قال : ( ولكم في القصاص حياة )[ البقرة : 179 ] من رأى أنه به امتنع عن قتل آخر ، فيكون في ذلك حياة الخلق ، وكذلك ما جعل من القتال ونصب الحرب في ما بينهم رحمة ؛ لأن في الطباع النفار عن القتل . فإذا رأى أنه يقتل بتركه الإسلام أجاب إلى الله إشفاقا على نفسه وخوفا على تلف مهجته ، فيكون في القتال رحمة . وكذلك جميع ما جعل الله في ما بين الخلق من العقوبات في النقض . وما دون النفس جعل زواجر وموانع عن المعاودة إلى مثله .

فعلى ذلك قوله ( فشرد به من خلفهم ) عظة وزجر لمن بعدهم ( لعلهم يذكرون ) لكي يذكروا[ في الأص وم : يذكرون ] النكال فلا ينقضوا العهد . وكذلك كل مرغوب في الدنيا ومرهوب جعل دواعي وزواجر لموعود في النار ، وجعل كل لذيذ وشهي في الدنيا داعيا لما وعد في الآخرة ، وكل كريه وقبيح زاجرا له عن الموعود في الآخرة في النار . وعلى هذا بناء أمر الدنيا . والتشريد قال أبو عبيدة : معناه من التفرقة ؛ أي فرق بينهم .

وقال القتبي : قوله : ( فشرد بهم من خلفهم ) أي افعل بهم فعلا من العقوبة والتنكيل ، يتفرق به من وراءهم من الأعداء . وقال[ الواو ساقطة من الأصل وم ] : ويقال : ( فشرد بهم ) سمع بهم بلغة قريش ، وقيل : [ نكل بهم أي اجعلهم ][ في الأصل وم : نكلهم أي جعلهم ] عظة لمن وراءهم وهو ما ذكرنا .

وقال أبو عوسجة : التنكيل : التخويف والرد عما يكره ، والنكال العذاب . وقال غيره : ( فشرد بهم من خلفهم ) أي اخلفهم بهم بما صنع هؤلاء .

وقال أبو عبيد : التشريد في كلامهم التبديد والتفريق ، وبعضه قريب من بعض .

قال أبو عوسجة : قوله : ( فشرد بهم من خلفهم ) أي نكل بهم حتى يخافك من خلفهم ، والشريد الطريد ، والشريد أيضا القليل .