الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (57)

وقوله : { فإما تثقفنهم في الحرب } ، إلى قوله : { الخائنين }[ 57 ، 58 ] .

" إما " {[27650]} : للشرط ، وتلزمه النون الشديدة توكيدا ، لدخول " ما " مع " إن " ، هذه علة البصريين{[27651]} .

وقال الكوفيون : تدخل " النون " الخفيفة والشديدة مع " إما " للفرق بين كونها للشرط وكونها للتخيير{[27652]} .

ومعنى الآية : إن لقيت يا محمد ، هؤلاء الذين عاهدتم ، ثم نقضوا عهدك في الحرب { فشرد{[27653]} بهم من خلفهم }[ 57 ] .

أي : افعل بهم فعلا يكون مشردا لمن خلفهم من نظرائهم ، ممن بينك وبينه عهد{[27654]} .

و " التشريد " {[27655]} : التطريد والتبديد والتفريق{[27656]} .

فأُمر{[27657]} بذلك صلى الله عليه وسلم ليكون أدبا لغيرهم ، فلا يجترئوا على مثل ما فعل [ هؤلاء ]{[27658]} من نقض العهد{[27659]} .

وقال السدي : { فشرد{[27660]} بهم من خلفهم } ، أي : نكل بهم ، ليحذر من خلفهم ممن بينك وبينه عهد{[27661]} .

{ لعلهم يذكرون }{[27662]}[ 57 ] .

أي : يتعظون إذا رأوا ما صنع بمن نقض العهد .


[27650]:فيه إدغام نون "إن" الشرطية في "ما" المزيدة، كما في تفسير الجلالين بهامش حاشية الصاوي 2/113، انظر: أمالي ابن الشجري 3/127، وشرح ابن عقيل 2/309.
[27651]:إعراب القرآن للنحاس 2/191، وتفسير القرطبي 8/21. وقال العكبري في التبيان 2/628: "...إذا أكِّدت "إن" الشرطية بـ:"ما" أُكِّد فعل الشرط بـ: "النون" ليتناسب المعنى". وقال ابن عطية في المحرر 2/542،: "دخلت "النون" مع "إما" تأكيدا، ولتفرق بينها وبين "إما" التي هي حرف انفصال في قولك: جاءني إما زيد وإما عمرو".
[27652]:إعراب القرآن للنحاس 2/191، وتفسير القرطبي 8/21، ولمزيد من التوضيح، ينظر: معاني القرآن للفراء 1/414.
[27653]:في الأصل: فشرب، بباء موحدة، وهو تحريف سيء. وفي ر، "فشرذ"، بالذال المعجمة، وهي قراءة ابن مسعود، كما في قراءة عبد الله بن مسعود 111، ومختصر في شواذ القرآن 55، والكشاف 2/219، والمحرر الوجيز 2/543، وزاد: "وهي قراءة الأعمش"، وتفسير القرطبي 8/21، وفيه: "...وهما لغتان. وقال قطرب: التشريذ، بالذال المعجمة، التنكيل، وبالدال المهملة، التفريق، حكاه الثعلبي"، والبحر المحيط 4/504، وعزاها إلى الأعمش أيضا. قال ابن جني في المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات 1/280، وبعد أن ذكر أن القراءة مروية عن الأعمش: "لم يمرر بنا في اللغة تركيب: ش ر ذ، وأوجه ما يصرف إليه ذلك أن تكون الذال بدلا من الدال، كما قالوا: لحم خُرادل وخرذال، والمعنى الجامع لهما أنهما مجهوران ومتقاربان".
[27654]:جامع البيان 14/22، باختصار.
[27655]:في الأصل: والتشديد النطرين والتبريد، وهو تحريف كثير لا معنى له.
[27656]:جامع البيان 14/22.
[27657]:في الأصل: فئامن، وهو تحريف.
[27658]:زيادة من "ر".
[27659]:جامع البيان 14/22، 23، بتصرف.
[27660]:في المخطوطتين: شرد، وأثبت نص التلاوة.
[27661]:جامع البيان 14/23، بتصرف، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1720، بلفظ: "نكل بهم من بعدهم"، وزاد نسبته إلى الحسن البصري، والضحاك، وتفسير ابن كثير 2/320، من غير قوله: ليحذر من خلفهم، وزاد نسبته إلى ابن عباس، والحسن البصري، والضحاك، وعطاء الخرساني، وابن عيينة، وأضاف: "ومعناه: غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلا، ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم، ويصيروا لهم عبرة".
[27662]:في "ر": يتدكرون، بدال مهملة، وهو تحريف.