اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (57)

قال ابن عباس { فنكل بهم من خلفهم }{[17420]} .

وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ : { أنذر بهم من خلفهم }{[17421]} .

العامَّةُ على الدال المهملة في " فَشرِّدْ " . وأصل التَّشْرِيدِ ، التَّطريدُ والتفريقُ والتبديدُ .

وقيل : التفريق مع الاضطراب ، والمعنى : فرق بهم جمع كل ناقض ، أي : افعل بهؤلاء الذين نقضوا عهدك وجَاءُوا لحربك فعلاً من الحرب والتمكين ، يفرقُ منك ويخافك من خلفهم من أهل مكة واليمن ، " لَعَلَّهُم يذَّكرُون " يتذكرون ويعتبرون فلا ينقضون العهد .

وقرأ الأعمش{[17422]} بخلاف عنه : " فَشَرِّذْ " بالذال المعجمة .

وقال أبُو حيَّان{[17423]} رحمه الله تعالى : " وكذا هي في مصحف عبد الله " .

قال شهاب الدين{[17424]} : " وقد تقدَّم أنَّ النَّقْطَ والشَّكْلَ أمرٌ حادثٌ ، أحدثه يحيى بن يعمر ، فكيف يُوجد ذلك في مصحف ابن مسعود ؟ " .

قيل : وهذه المادة - أعني : الشين ، والرَّاء ، والذال المعجمة - مهملة في لغة العرب وفي هذه القراءةِ أوجه ، أحدها : أنَّ الذَّال بدلُ من مجاورتها ، كقولهم : خراديل وخراذيل .

الثاني : أنه مقلوبٌ مِنْ " شذر " ، من قولهم : تَفرَّقُوا شَذَرَ مَذَرَ ، ومنه : الشَّذْر المُلتقط من المعدن ؛ لتفرُّقِهِ ؛ قال : [ الطويل ]

غَرَائِرُ فِي كِنٍّ وَصوْنٍ ونَعْمَةٍ *** يُحَلَّيْنَ يَاقُوتاً وشَذْراً مُفَقَّرا{[17425]}

الثالث : أنه من شذر في مقاله ، إذا أكثر فيه ، قاله أبو البقاءِ ، ومعناه غير لائق هنا .

وقال قطرب : " شرّذ " بالمعجمة ، التنكيل ، وبالمهملة : التَّفريق . وهذا يُقَوِّي قول من قالك إن هذا المادَّة ثابتةٌ في لغة العربِ .

قوله " مَنْ خَلْفَهُمْ " مفعول : " شرِّد " . وقرأ الأعمشُ بخلاف{[17426]} عنه وأبو حيوة " مِنْ خلفهم " جاراً ومجروراً ، والمفعولُ على هذه القراءة محذوفٌ ، أي : فشرِّدُ أمثالهم من الأعداء ، وأناساً يعملون بعملهم ، والضميران في " لَعَلَّهُم يذكَّرُون " الظَّاهِرُ عودهما على " مَنْ خَلْفَهُمْ " ، أي : إذا رأوا ما حلَّ بالمناقضين تذكَّرُوا . وقيل : يعودان على المثقفين ، وليس له معنى طائل .


[17420]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/271) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وذكره البغوي في "معالم التنزيل" (2/257).
[17421]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/271) وذكره البغوي في "معالم التنزيل" (2/257).
[17422]:ينظر: إتحاف فضلاء البشر 2/81، الكشاف 2/230، المحرر الوجيز 2/543، البحر المحيط 4/504، الدر المصون 3/428.
[17423]:ينظر: البحر المحيط 4/504.
[17424]:ينظر: الدر المصون 3/328.
[17425]:البيت لامرىء القيس ينظر: ديوانه 59 الجمهرة 2/399 [رفق] التهذيب 9/118 اللسان 5/3447 البحر المحيط 4/504 الدر المصون 3/429.
[17426]:ينظر: الكشاف 2/230-231، المحرر الوجيز 2/543، البحر المحيط 4/504، الدر المصون 3/429.