ثم لقن الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم الجواب الذى يرد به عليهم فقال : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ } .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الجاحدين : إنما أنا بشر مثلكم فى الصفات البشرية أوجدنى الله - تعالى - بقدرته كما أوجدكم ، وينتهى نسبى ونسبكم إلى آدم - عليه السلام - إلا أن الله - تعالى - قد اختصنى بوحيه ورسالته - وهو أعلم حيث يجعل رسالته - وأمرنى أن أبلغكم أن إلهكم وخالقكم .
. هو إله واحد لا شريك له ، فعليكم أن تخلصلوا له العبادة والطاعة .
وقوله : { فاستقيموا إِلَيْهِ واستغفروه } أى : فالزموا الاستقامة فى طريقكم إليه - تعالى - بالإِيمان به وطاعته والإخلاص فى عبادته .
وقوله - تعالى - : { . . وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ . الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ } تهديد لهم بسوء المصير إذا استمروا على عنادهم وشركهم .
والويل : لفظ دال على الشر أو الهلاك ، وهو مصدر لافعل له من لفظه ، والمراد به هنا : الدعاء عليهم بالخزى والهلاك .
أى : فهلاك وخزى وعقاب شديد لهؤلاء المشركين ، الذين لا يؤتون الزكاة ، أى : لا يؤمنون بها ، ولا يخرجونها إلى مستحقيها ، ولا يعملون على تطهير أنفسهم بأدائها . . . وفضلا عن كل ذلك فهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب كافرون .
قال ابن كثير : والمراد بالزكاة ها هنا : طهارة النفس من الأخلاق المرذولة . . .
وقال قتادة : يمنعون زكاة أموالهم ، واختاره ابن جرير . .
وفيه نظر ، لأن إيجاب الزكاة إنما كان فى السنة الثانية من الهجرة ، وهذه الآية مكية . اللهم إلا أن يقال : لا يبعد أن يكون أصل الزكاة - وهو الصدقة - كان مأمورا به فى ابتداء البعثة ، كقوله - تعالى - : { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين أمرها فى المدينة ، ويكون هذا جمعا بين القولين . .
وقال بعض العلماء : قد استدل بعض علماء الأصول بهذه الآية الكريمة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، لأنه - تعالى - صرح فى هذه الآية الكريمة ، بأنهم مشركون ، وأنهم كافرون بالآخرة ، وقد توعدهم - سبحانه - بالويل على كفرهم بالآخرة ، وعدم إيتائهم الزكاة ، سواء أقلنا إن الزكاة فى الآية هى الزكاة المال المعروفة ، أو زكاة الأبدان عن طريق فعل الطاعات ، واجتناب المعاصى .
ورجع بعضهم - أن المراد بالزكاة هنا زكاة الأبدان - لأن السورة مكية وزكاة المال المعروفة إنما فرضت فى السنة الثانية من الهجرة .
وعلى أية حال فالآية تدل على خطاب الكفار بفروع الإِسلام .
أعنى امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، وما دلت عليه هذه الآية من أنهم مخاطبون بذلك ، وأنهم يعذبون على الكفر والمعاصى ، جاء موضحا فى آيات أخر كقوله - تعالى - : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين . . } وخص - سبحانه - من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة ، لأن أحب شئ إلى الإِنسان ماله ، وهو شقيق روحه ، فإذا بذله للمتحاجين ، فذلك أقوى دليل على استقامته ، وصدق نيته .
يقول تعالى : { قُلْ } يا محمد لهؤلاء المكذبين المشركين : { إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } لا كما تعبدونه{[25627]} من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرقين ، إنما الله إله واحد ، { فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ } أي : أخلصوا له العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرسل ، { وَاسْتَغْفِرُوهُ } أي : لسالف الذنوب ، { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ } أي : دمار لهم وهلاك عليهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ أَنّمَآ إِلََهُكُمْ إِلََهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوَاْ إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ * الّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ بِالاَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المعرضين عن آيات الله من قومك : أيها القوم ، ما أنا إلا بشر من بني آدم مثلكم في الجنس والصورة والهيئة لست بمَلك يُوحَى إليّ يوحي الله إليّ أن لا معبود لكم تصلح عبادته إلا معبود واحد فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ يقول : فاستقيموا إليه بالطاعة ، ووجهوا إليه وجوهكم بالرغبة والعبادة دون الاَلهة والأوثان وَاسْتَغْفِرُوهُ يقول : وسلوه العفو لكم عن ذنوبكم التي سلفت منكم بالتوبة من شرككم ، يتب عليكم ويغفر لكم .
وقوله : وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُوءْتَونَ الزّكاةَ وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ يقول تعالى ذكره : وصديد أهل النار ، وما يسيل منهم للمدعين لله شريكا العابدين الأوثان دونه الذين لا يؤتون الزكاة .
اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : معناه : الذي لا يعطون الله الطاعة التي تطهرهم ، وتزَكّي أبدانهم ، ولا يوحدونه وذلك قول يُذكر عن ابن عباس . ذكر الرواية بذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ قال : هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حفص ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قوله : وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ : الذين لا يقولون لا إله إلا الله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : الذين لا يقرّون بزكاة أموالهم التي فرضها الله فيها ، ولا يعطونها أهلها . وقد ذكرنا أيضا قائلي ذلك قبلُ . وقد :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ قال : لا يقرّون بها ولا يؤمنون بها . وكان يقال : إن الزكاة قنطرة الإسلام ، فمن قطعها نجا ، ومن تخلف عنها هلك وقد كان أهل الردّة بعد نبيّ الله قالوا : أما الصلاة فنصلّي ، وأما الزكاة فوالله لا تغصب أموالنا قال : فقال أبو بكر : والله لا أفرّق بين شيء جمع الله بينه واللّهِ لو منعوني عِقالاً مما فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ قال : لو زَكّوا وهم مشركون لم ينفعهم .
والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا : معناه : لا يؤدّون زكاة أموالهم وذلك أن ذلك هو الأشهر من معنى الزكاة ، وأن في قوله : وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ دليلاً على أن ذلك كذلك ، لأن الكفار الذين عنوا بهذه الاَية كانوا لا يشهدون أن لا إله إلا الله ، فلو كان قوله : الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ مرادا به الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله لم يكن لقوله : وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ معنى ، لأنه معلوم أن من لا يشهد أن لا إله إلا الله لا يؤمن بالاَخرة ، وفي اتباع الله قوله : وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ قوله : الّذِينَ لا يُوءْتُونَ الزّكاةَ ما ينبىء عن أن الزكاة في هذا الموضع معنيّ بها زكاة الأموال .
وقوله : وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ يقول : وهم بقيام الساعة ، وبعث الله خلقه أحياء من قبورهم ، من بعد بلائهم وفنائهم منكرون .
وقوله : { قل إنما أنا بشر } قال الحسن : علمه الله تعالى التواضع ، و «إن » في قوله : { إنما } رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله .
وقوله : { فاستقيموا } أي على محجة الهدى وطريق الشرع والتوحيد ، وهذا المعنى مضمن قوله : { إليه } . والويل : الحزن والثبور ، وفسره الطبري وغيره في هذه الآية بقبح أهل النار وما يسيل منهم .
{ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ أَنَّمَآ إلهكم إله واحد فاستقيموا إِلَيْهِ واستغفروه } .
استئناف ابتدائي هو تلقين الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجيب قولهم : { فاعْمَل إنَّنَا عاملون } [ فصلت : 5 ] المفرّعَ على قولهم : { قُلُوبُنَا فِي أكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إليهِ } [ فصلت : 5 ] إلى آخره جوابَ المُتبرىء من أن يكون له حول وقوة ليعمل في إلجائهم إلى الإِيمان لمَّا أبوْه إذ ما هو إلا بشر مثلهم في البشرية لا حول له على تقليب القلوب الضالة ، إلى الهدى ، وما عليه إلا أن يبلغهم ما أوحَى الله إليه . وهذا الخبر يفيد كناية عن تفويض الأمر في العمل بجزائهم إلى الله تعالى كأنه يقول : وماذا أستطيع أن أعمل معكم فإني رسول من الله فحسابكم على الله .
فصيغة القصر في { إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُم } تفيد قصراً إضافياً ، أي أنَا مقصور على البشرية دون التصرف في قلوب الناس . وبيَّن مما تميَّز به عنهم على وجه الاحتراس من أن يتلقفوا قوله : { إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُم } تلقفَ من حصَّل على اعتراف خصمه بنهوض حجته بما يُثبت الفارق بينه وبينهم في البشرية ، وهو مضمون جملة { يوحى إلَيَّ } وذلك للتسجيل عليهم إبطال زعمهم المشهور المكرر أن كونه بشراً مانع من إرساله عن الله تعالى لقولهم : { ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً } [ الفرقان : 7 ] ، ونحوه مما تكرر في القرآن . ومثل هذا الاحتراس ما حكاه الله عن قول الكفار لرسلهم : { إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن اللَّه يمن على من يشاء من عباده } [ إبراهيم : 10 ، 11 ] .
وحرصاً على إبلاغ الإرشاد إليهم بيَّن له ما يوحى إليه بقوله : { إنَّمَا إلهكم إله واحد } إعادة لِمَا أبلغهم إياه غيرَ مرة ، شأنَ القائم بهدي الناس أن لا يغادر فرصة لإِبلاغهم الحق إلا انتهزها . ونظيره ما جاء في محاورة موسى وفرعون { قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم مؤمنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون } [ الشعراء : 23 28 ] .
و { أنما } مفتوحة الهمزة ، وهي أخت { إنما } المكسورة وإنما تفتح همزتها إذا وقعت معمولة لما قبلها ولم تكن في الابتداء كما تفتح همزة ( أنَّ ) وتكسر همزة ( إن ) لأن إنَّمَا أو ( أنَّما ) مركبان من ( إنَّ ) أو ( أَنَّ ) مع ( ما ) الكافة الزائدة للدلالة على معنى ( مَا ) وَ ( إلا ) حتى ذهب وَهَلُ بعضهم أن ( ما ) التي معها هي النافية اغتراراً بأن معنى القصر إثبات الحكم للمذكور ونفيُه عما عداه مثلَ ( ما ) و ( إلاَّ ) ولا ينبغي التردد في كون أَنما المفتوحةِ الهمزة مفيدة القصرَ مثلُ أختها المكسورة الهمزة وبذلك جزم الزمخشري في تفسير سورة الأنبياء ، وما رده أبو حيان عليه إنما هو مجازفة ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : { قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل انتم مسلمون } في سورة الأنبياء ( 108 ) .
فقوله : { أنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ } إدماج للدعوة إلى الحق في خلال الجواب حرصاً على الهدْي .
وكذلك التفريع بقوله : { فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ واسْتَغْفِرُوهُ } فإنه إتمام لذلك الإِدماج بتفريع فائدته عليه لأن إثبات أن الله إله واحد إنما يقصد منه إفراده بالعبادة ونبذُ الشرك . هذا هو الوجه في توجيه ارتباط { قُلْ إنَّمَا أنَا بَشَرٌ } بقولهم : { قُلُوبُنَا فِي أكِنَّةٍ } [ فصلت : 5 ] الخ .
وموقع أنَّمَا إلهكم إله واحِدٌ } أنه نائب فاعل { يوحى إلَيَّ } ، أيْ يوحَى إِليَّ معنى المصدر المنسبك من { أنَّمَا إلهكم إله واحِدٌ } وهو حصر صفة الله تعالى في أنه واحد ، أي دون شريك .
ومماثلته لهم : المماثلة في البشرية فتفيد تأكيدَ كونه بشراً .
والاستقامة : كون الشيء قويماً ، أي غير ذي عوج وتطلق مجازاً على كون الشيء حقاً خالصاً ليست فيه شائبة تمويه ولا باطل . وعلى كون الشخص صادقاً في معاملته أو عهده غير خالط به شيئاً من الحيلة أو الخيانة ، فيقال : فلان رجل مستقيم ، أي صادق الخُلُق ، وإن أريد صدقه مع غيره يقال : استقام له ، أي استقام لأجله ، أي لأجل معاملته منه . ومنه قوله تعالى : { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } [ التوبة : 7 ] والاستقامة هنا بهذا المعنى ، وإنما عُدّي بحرف ( إلى ) لأنها كثيراً ما تعاقب اللام ، يقال : ذهبتُ له وذهبت إليه ، والأحسن أن إيثار ( إلى ) هنا لتضمين ( استقيموا ) معنى : توجهوا ، لأن التوحيد توجه ، أي صرف الوجه إلى الله دون غيره ، كما حكَى عن إبراهيم : { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين } [ الأنعام : 79 ] ، أو ضمّن ( استقيموا ) معنى : أنيبوا ، أي توبوا من الشرك كما دل عليه عطف { واستغفروه } .
والاستغفار : طلب العفو عما فرط من ذنب أو عصيان وهو مشتق من الغَفْر وهو الستر .
والمعنى : فأخلصوا إلى الله في عبادته ولا تشركوا به غيره واسألوا منه الصفح عما فرط منكم من الشرك والعناد .
وعيد للمشركين بسوء الحال والشقاء في الآخرة يجوز أن يكون من جملة القول الذي أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقوله فهو معطوف على جملة { إنَمَّا أنَا بَشَرٌ } . ويجوز أن يكون كلاماً معترضاً من جانب الله تعالى فتكون الواو اعتراضية بين جملة { قُلْ إنَّمَا أنَا بَشَرٌ } وجملة { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ } [ فصلت : 9 ] أي أجبهم بقولك : أنا بشر مثلك يوحى إليّ ونحن أعتدنا لهم الويل والشقاء إن لم يقبلوا ما تدعوهم إليه ، فيكون هذا إخباراً من الله تعالى .
وذكر المشركين إظهار في مقام الإِضمار ويستفاد تعليق الوعيد على استمرارهم على الكفر من الإِخبار عن الويل بكونه ثابتاً للمشركين والموصوفين بالذين لا يؤتون الزكاة وبأنهم كافرون بالبعث لأن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعليَّة ما منه الاشتقاق ، ولأن الموصول يؤذن بالإِيماء إلى وجه بناء الخبر . فأما كون الشرك وإنكارِ البعث موجِبَيْن للويل فظاهر ، وأما كون عدم إيتاء الزكاة موجباً للويل فذلك لأنه حَمَّل عليهم ما قارن الإشراك وإنكار البعث من عدم الانتفاع بالأعمال التي جاء بها الإسلام ، فذِكرُ ذلك هنا لتشويه كفرهم وتفظيع شركهم وكفرانهم بالبعث بأنهما يدعوانهم إلى منع الزكاة ، أي إلى القسوة على الفقراء الضعفاء وإلى الشحّ بالمال وكفى بذلك تشويهاً في حكم الأخلاق وحكم العُرف فيهم لأنهم يتعيرون باللؤم ، ولكنهم يبذلون المالَ في غير وجهه ويحرمون منه مستحقيه .