ثم تعود السورة الكريمة إلى الحديث عن آيات الله - تعالى - الدالة على قدرته ، وعن مظاهر فضله على الناس ورحمته بهم ، وعن الموقف الجحودى الذى وقفه بعضهم من هذه النعم . . قال - تعالى - : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ . . . . فَهُمْ مُّسْلِمُونَ } .
قوله - سبحانه - : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ } بيان لأنواع أخرى من الظواهر الكونية الدالة على قدرته - عز وجل - .
أى : ومن الآيات والبراهين الدالة على وحدانية الله - تعالى - ونفاذ قدرته ، أنه - سبحانه - يرسل بمشيئته وإرادته الرياح ، لتكون بشارة بأن من ورائها أمطارا ، فيها الخير الكثير للناس .
قال الآلوسى : قوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح } أى : الجنوب ، ومهبها من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا ، والصبا : ومهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش . والشمال : ومهبها من بنات نعش إلى مسقط النسر الطائر ، فإنها رياح الرحمة . أما الدبور ومهبها من مسقط النسر الطائر إلى مطلع سهيل ، فريح العذاب .
وقوله : { وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ . . } بيان للفوائد التى تعود على الناس من إرسال الرياح التى تعقبها الأمطار ، وهو متعلق بقوله { يُرْسِلَ } .
أى : يرسل الرياح مبشرات بالأمطار ويرسلها لمنحكم من رحمته الخصب والنماء لزرعكم ، وللتجرى الفلك عند هبوبها فى البحر بإذنه - تعالى - ولتبتغوا أرزاقكم من فضله - سبحانه - عن طريق الأسفار ، والانتقال من مكان إلى آخر ، ولكى تشكروا الله - تعالى - على هذه النعم : فإنكم إذا شكرتموه - سبحانه - على نعمه زادكم منها .
يذكر تعالى نعَمه على خلقه ، في إرساله الرياح مبشرات بين يدي رحمته ، بمجيء الغيث{[22883]} عقيبها ؛ ولهذا قال : { وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ } أي : المطر الذي ينزله فيحيي به العباد والبلاد ، { وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ } أي : في البحر ، وإنما سيرها بالريح ، { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ } أي : في التجارات والمعايش ، والسير من إقليم إلى إقليم ، وقطر إلى قطر ، { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : تشكرون الله على ما أنعم به عليكم من النعم الظاهرة والباطنة ، التي لا تعد ولا تحصى .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرّيَاحَ مُبَشّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مّن رّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ومن أدلته على وحدانيته وحججه عليكم على أنه إله كلّ شيء أنْ يُرْسِلَ الرّياحَ مُبَشّراتٍ بالغيث والرحمة وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ يقول : ولينزّل عليكم من رحمته ، وهي الغيث الذي يحيي به البلاد ، ولتجري السفن في البحار بها بأمره إياها وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يقول : ولتلتمسوا من أرزاقه ومعايشكم التي قسمها بينكم وَلَعلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول : ولتشكروا ربكم على ذلك أرسل هذه الرياح مبشرات . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد الرّياحَ مُبَشّراتٍ قال : بالمطر .
وقالوا في قوله : وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ مثل الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ قال : المطر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَلِيُذِيقَكمْ مِنْ رَحْمَتِهِ : المطر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ومن آياته} يعني ومن علاماته عز وجل، وإن لم تروه، أن تعرفوا توحيده بصنعه عز وجل.
{أن يرسل الرياح مبشرات} يعني يستبشر بها الناس رجاء المطر.
{وليذيقكم من رحمته} يقول: وليعطيكم من نعمته يعني المطر.
{ولتجري الفلك} في البحر {بأمره ولتبتغوا} في البحر {من فضله} يعني الرزق كل هذا بالرياح.
{ولعلكم تشكرون} رب هذه النعم فتوحدونه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ومن أدلته على وحدانيته وحججه عليكم على أنه إله كلّ شيء "أنْ يُرْسِلَ الرّياحَ مُبَشّراتٍ "بالغيث والرحمة، "وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ" يقول: ولينزّل عليكم من رحمته، وهي الغيث الذي يحيي به البلاد، ولتجري السفن في البحار بها بأمره إياها، "وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ" يقول: ولتلتمسوا من أرزاقه ومعايشكم التي قسمها بينكم، "وَلَعلّكُمْ تَشْكُرُونَ" يقول: ولتشكروا ربكم على ذلك أرسل هذه الرياح مبشرات.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات} في الرياح آيات في نفسها، وفيها بشارات: أما الآيات فهي آيات سلطانه وتدبيره من وجوه:
إنه أنشأ هذه الرياح في الهواء في الأرض وفي الجبال وفي السماء، تصيب الخلائق، وتميتهم، وتودي بهم، وتفرّعهم، وتقرّبهم، من غير أن يروها، أو يقع عليها البصر، ومن غير أن يدركوها، أو يدركوا كيفيتها أو ماهيتها، ليعلم أن من الأجسام ما هي غير مدركة، ولا آخذ البصر عليها، وترى: منها طيبة وخبيثة وشديدة كاسرة عاصفة، ويعذب بها قوم وينصر بها قوم على ما ذكر في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (نصرت بالصبا وأهلك عاد بالدبور) [البخاري: 3205].
ومن بشاراتها ما تلقح الشجار والنخيل، وتشق الأرض، وينبت النبات منها، وتجمع السحاب، وتأتي بالمطر وتجري بها السفن والفلك في البحار في الماء الراكد.
سماها مبشرات ليعلم أن البشارة قد تكون بغير النطق والكلام من نحو الكتاب والإشارة أو الرسالة، إذ ليس للريح نطق ولا كلام..
{وليذيقكم من رحمته} هذا يدل أن هذه البشارة والمنافع التي جعلها لهم كانت من رحمته فضلا لا استيجابا ولا استحقاقا، وسمي ذلك كله رحمة، لأنه برحمته يكون.
{بأمره} يحتمل بتدبيره،أو أن يريد بأمره: تكوينه كقوله: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: 40]
ولتبتغوا من فضله} هذا يدل على أن ما يصل إليهم من المنافع إنما يصل من فضله ورحمته، لا يصل إليهم بتلك الأسباب والمكاسب لئلا يروا ذلك من تلك الأسباب، ولكن يرون ذلك من فضل الله ورحمته.
{ولعلكم تشكرون} أي لكي يلزمهم الشكر لله في ذلك كله.
{يرسل الرياح مبشرات}... مبشرات بصلاح الأهوية والأحوال، فإن الرياح لو لم تهب لظهر الوباء والفساد.
{وليذيقكم من رحمته} عطف على ما ذكرنا، أي ليبشركم بصلاح الهواء وصحة الأبدان.
{وليذيقكم من رحمته}... الإذاقة تقال في القليل، ولما كان أمر الدنيا قليلا وراحتها نزر قال: {وليذيقكم}، وأما في الآخرة فيرزقهم ويوسع عليهم ويديم لهم.
{ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشركون} لما أسند الفعل إلى الفلك عقبه بقوله: {بأمره} أي الفعل ظاهرا عليه ولكنه بأمر الله، ولذلك لما قال: {ولتبتغوا} مسندا إلى العباد ذكر بعده {من فضله} أي لا استقلال لشيء بشيء.
{ولعلكم تشكرون}... إشارة إلى أن توفيقهم للشكر من النعم فعطف على النعم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ختم في أول السورة الآيات الدالة على الوحدانية المستلزمة للبعث لأن به تمام ظهور الحكمة، وانكشاف غطاء القلوب عن صفات العظمة، بأن قيام السماء والأرض بأمره وأتبع ذلك ما اشتد التحامه به، وختمه ببغض الكافرين بعد ذكر يوم البعث، أتبعه ذكر ما حفظ به قيام الوجود، وهو الرياح، يجعلها سبباً في إدرار النعم التي منها ما هو أعظم أدلة البعث وهو النبات، وهي بجملتها دليل ذلك وسبب القرار في البر والسير في البحر الموصل لمنافع بعض البلاد إلى بعض، وبذلك انتظم الأمر لأهل الأرض، فاستعمل المؤمن منهم ما رزقه سبحانه من العقل في النظر في ذلك حتى أداه إلى شكره فأحبه، واقتصر الكافر على الدأب فيما يستجلب به تلك النعم ويستكثرها، فأبطره ذلك فأوصله إلى كفره فأبغضه.
والرياح أيضاً أشبه شيء بالناس، منها النافع نفعاً كبيراً، ومنها الضار ضراً كثيراً، فقال: {ومن آياته} أي الدلالات الواضحة الدالة على كمال قدرته وتمام علمه الدال على أنه هو وحده الذي أقام هذا الوجود
{أن يرسل الرياح} على سبيل التجدد والاستمرار،وفي جمعها المجمع عليه هنا لوصفها بالجمع إشارة إلى باهر القدرة، فإن تحويل الريح الواحدة من جهة إلى أخرى أمر عظيم لا قدرة لغيره عليه في الفضاء الواسع، وكذا إسكانه، فكيف إذا كانت رياح متعاكسة، ففي إثارتها كذلك ثم إسكانها من باهر القدرة ما لا يعلمه إلا أولو البصائر.
{مبشرات} أي لكم بكل ما فيه نفعكم.
{وليذيقكم} وأشار إلى عظمة نعمه بالتبعيض في قوله: {من رحمته} أي نعمه من المياه العذبة والأشجار الرطبة، وصحة الأبدان، وخصب الزمان، وما يتبع ذلك من أمور لا يحصيها إلا خالقها، ولا يتصورها حق تصورها إلا من فقد الرياح، وأشار إلى عظمة هذه النعمة و إلى أنها صارت لكثرة الإلف مغفولاً عنها بإعادة اللام فقال: {ولتجري الفلك} أي السفن في جميع البحار وما جرى مجراها عند هبوبها. ولما أسند الجري إلى الفلك نزعه منها بقوله: {بأمره} أي بما يلائم من الرياح اللينة، وإذا أراد أعصفها فأغرقت، أو جعلها متعاكسة فحيرت ورددت، حتى يحتال الملاحون بكل حيلة على إيقاف السفن لئلا تتلف.
ولما كان كل من مجرد السير في البحر والتوصل به من بلد إلى بلد نعمة في نفسه، عطف على {لتجري} قوله، منبهاً بإعادة اللام إيضاحاً للمعطوف عليه على تعظيم النعمة: {ولتبتغوا} أي تطلبوا طلباً ماضياً بذلك السير، وعظم ما عنده بالتبعيض في قوله: {من فضله} مما يسخر لكم من الريح بالسفر للمتجر من بلد إلى بلد والجهاد وغيره {ولعلكم} أي ولتكونوا إذا فعل بكم ذلك على رجاء من أنكم {تشكرون*}
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
بعد ذلك يأخذ معهم في جولة أخرى تكشف عن بعض آيات الله، وما فيها من فضل الله ورحمته، فيما يهبهم من رزق وهدى ينزل عليهم، فيعرفون بعضه وينكرون بعضه. ثم لا يشكرون ولا يهتدون.
(ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات، وليذيقكم من رحمته، ولتجري الفلك بأمره، ولتبتغوا من فضله، ولعلكم تشكرون. ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات، فانتقمنا من الذين أجرموا، وكان حقا علينا نصر المؤمنين. الله الذي يرسل الرياح، فتثير سحابا، فيبسطه في السماء كيف يشاء، ويجعله كسفا، فترى الودق يخرج من خلاله، فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون. وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين. فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها. إن ذلك لمحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير. ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون).. إنه يجمع في هذه الآيات بين إرسال الرياح مبشرات، وإرسال الرسل بالبينات، ونصر المؤمنين بالرسل، وإنزال المطر المحيي، وإحياء الموتى وبعثهم.. وهو جمع له مغزاه.. إنها كلها من رحمة الله، وكلها تتبع سنة الله. وبين نظام الكون، ورسالات الرسل بالهدى، ونصر المؤمنين، صلة وثيقة. وكلها من آيات الله. ومن نعمته ورحمته، وبها تتعلق حياتهم، وهي مرتبطة كلها بنظام الكون الأصيل.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عود إلى تعداد الآيات الدالة على تفرده بالإلهية فهو عطف على جملة {ومن ءاياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} [الروم: 25] وما تخلل بينهما من أفانين الاستدلال على الوحدانية والبعث ومن طرائق الموعظة كان لتطرية نشاط السامعين لهذه الدلائل الموضّحة المبينة.
والإرسال مستعار لتقدير الوصول، أي يُقدر تكوين الرياح ونظامها الذي يوجهها إلى بلد محتاج إلى المطر.
والمبشرات: المؤذنة بالخير وهو المطر. وأصل البشارة: الخبر السارّ. شبهت الرياح برسل موجهة بأخبار المسرّة.
والتقييد بقوله {بأمره} تعليم للمؤمنين وتحقيق للمِنة، أي: لولا تقدير الله ذلك وجعله أسباب حصوله لما جرت الفلك، وتحت هذا معان كثيرة يجمعها إلهام الله البشر لصنع الفلك وتهذيب أسباب سيرها. وخلق نظام الريح والبحر لتسخير سيرها كما دل على ذلك قوله {ولعلكم تشكرون}.
{ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} هذه نعم خمس من نعم الله على عباده: فإرسال الرياح وحدها نعمة، وتبشيرها بالمطر نعمة، وإجراء الفلك نعمة، والابتغاء من فضل الله نعمة، ثم الشكر على هذا كله نعمة أخرى.
والآيات: جمع آية، وهي كما قلنا: الشيء العجيب الذي يجب أن يلفت الأنظار، وألا يغفل الإنسان عنه طرفة عين.
"ومن آياته أنه يرسل الرياح مبشرات"... كلمة الرياح جمع ريح، والرياح هنا بالمعنى العام: الهواء، والحق سبحانه – كما سبق أن بينا- رتب مقومات حياة الخليفة في الأرض على: الهواء، ثم الماء، ثم الطعام على هذا الترتيب، وحسب أهمية هذه المقومات. فالهواء هو أهم مقوم في حياة الكائن الحي، حيث لا يصبر عليه الإنسان إلا لحظة بمقدار شهيق وزفير ولو حبس عنه لمات. ثم الماء ويصبر عليه الإنسان إلى عشرة أيام، ثم الطعام ويصبر عليه إلى شهر. لذلك من حكمة الخالق سبحانه ألا يملك الهواء لأحد... إذن: إرسال الرياح في ذاتها نعمة، فإذا كان فيها برودة وشعرت بطراوتها فهي تبشرك بالمطر، لذلك كان العربي يعرف المطر قبل وقوعه ويقدر مسافة السحابة التي ستمطره، إذن: فالتبشير بالمطر نعمة أخرى. وهاتان النعمتان إرسال الرياح وإنزال المطر، لا دخل للإنسان فيهما.
{ولعلكم تشكرون} وهذه النعمة هي كنز النعم كلها وعقالها، فإن شكرت لله نعمه عليك زادك منها: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} (إبراهيم 7)...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
انظر إلى آثار رحمة الله: قلنا: إن في هذه السورة قسماً مهمّاً «يستلفت النظر» من دلائل التوحيد وآيات الله، مبيناً في سبع آيات تبدأ كل منها بقوله: (ومن آياته) قرأنا ست آيات منها بصورة متتابعة، والآية الأُولى من الآيات أعلاه هي سابع الآيات التي مرت. وآخرها. وحيث كان الكلام في الآيات السابقة عن الإيمان والعمل الصالح، فبيان دلائل التوحيد أيضاً تأكيداً على ذلك!
تقول هذه الآية: (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات)... الرياح مبشرات من جهات شتى، ولذلك فنحن نقرأ في تعقيب الآية قوله تعالى: (وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون). أجل، إنّ الرياح هي وسيلة لتكاثر النعم العديدة في مجال الزراعة والتدجين، وهي وسيلة للحمل والنقل أيضاً، وأخيراً فهي سبب للازدهار التجاري. وقد أشير إلى الموضوع الأوّل بجملة (وليذيقكم من رحمته) وإلى الثّاني بجملة (ولتجري الفلك بأمره) وللثالث بجملة (ولتبتغوا من فضله)! والطريف هنا أن جميع هذه البركات منشؤها الحركة، الحركة في ذرات الهواء في الفضاء الجوي.