قوله تعالى : { ويوم يحشرهم } قرأ ابن كثير ، وأبو جعفر ، ويعقوب ، وحفص : يحشرهم بالياء ، وقرأ الباقون بالنون ، { وما يعبدون من دون الله } قال مجاهد : من الملائكة والجن والإنس وعيسى وعزير . وقال عكرمة والضحاك والكلبي : يعني الأصنام ، ثم يخاطبهم { فيقول } قرأ ابن عامر بالنون والآخرون بالياء ، { أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل } أخطأوا الطريق .
ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن حالهم عندما يعرضون هم وآلهتهم للحشر والحساب يوم القيامة ، وقد وقفوا جميعا أمام ربهم للسؤال والجواب ، قال - تعالى - : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ . . . } .
قوله - تعالى - : { وَيَوْمَ } منصوب على المفعولية بفعل مقدر ، والمقصود من ذكر اليوم : تذكيرهم بما سيحدث فيه من أهوال حتى يعتبروا ويتعظوا ، والمضير فى " يحشرهم " للكافرين الذين عبدوا غير الله - تعالى - .
وقوله : { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } معطوف على مفعول " يحشرهم " والمراد بهؤلاء الذين عبدوهم من دون الله : الملائكة وعزير وعيسى وغيرهم من كل معبود سوى الله - تعالى - .
والمعنى : واذكر لهم - أيها الرسول الكريم - حالهم لعلهم أن يعتبروا يوم نحشرهم جميعا للحساب والجزاء يوم القيامة ، ونحشر ونجمع معهم جميع الذين كانوا يعبدونهم غيرى .
ثم نوجه كلامنا لهؤلاء المعبودين من دونى فأقول لهم : أانتم - أيها المعبودون - كنتم السبب فى ضلال عبادى عن إخلاص العبادة لى ، بسبب إغرائكم لهم بذلك أم هم الذين من تلقاء أنفسهم قد ضلوا السبيل ، بسبب إيثارهم الغى على الرشد ، والكفر على الإيمان ؟
والسؤال للمعبودين إنما هو من باب التقريع للعابدين ، وإلزامهم الحجة وزيادة حسرتهم ، وتبرئة ساحة المعبودين .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ } وقوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ . . } قال الإمام الرازى ما ملخصه : فإن قيل : إنه - سبحانه - عالم فى الأزل بحال المسئول عنه فما فائدة السؤال ؟ .
والجواب : هذا استفهام على سبيل التقريع للمشركين ، كما قال - سبحانه - لعيسى : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله } ولأن أولئك المعبودين لما برءوا أنفسهم وأحالوا ذلك الضلال عليهم ، صار تبرُّؤُ المعبودين عنهم أشد فى حسرتهم وحيرتهم .
وقال - سبحانه - { أَمْ هُمْ ضَلُّوا السبيل } ولم يقل . ضلوا عن السبيل ، للإشعار بأنهم قد بلغوا فى الضلال أقصاه ومنتهاه .
ثم يمضي مستطردا يعرض مشهدا آخر من مشاهد الساعة التي كذب بها المكذبون . مشهد أولئك المشركين ، وقد حشروا مع آلهتم التي كانوا يزعمون ، ووقف الجميع عبادا ومعبودين أمام الديان يسألون ويجيبون !
( ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله ، فيقول : أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء ، أم هم ضلوا السبيل ? قالوا : سبحانك ! ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء . ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر ، وكانوا قوما بورا . . فقد كذبوكم بما تقولون ، فما تستطيعون صرفا ولا نصرا . ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ) . .
وما يعبدون من دون الله قد يكونون هم الأصنام . وقد يكونون هم الملائكة والجن ، وكل معبود من دون الله . وإن الله ليعلم . ولكن الاستجواب هكذا في الساحة الكبرى ، وهم محشورون أجمعين ، فيه تشهير وتأنيب ، وهو ذاته عذاب مرهوب ! والجواب هو الإنابة من هؤلاء " الآلهة " ! الإنابة لله الواحد القهار . وتنزيهه عن ذلك الافتراء ، والتبرؤ لا من ادعاء الألوهية ، ولكن من مجرد أن يتخذوا لهم أولياء من دون الله ، والزراية على أولئك الجاحدين الجهال :
{ ويوم نحشرهم } للجزاء ، وقرئ بكسر الشين وقرأ ابن كثير ويعقوب وحفص بالياء . { وما يعبدون من دون الله } يعم كل معبود سواه تعالى ، واستعمال { ما } إما لأن وضعه أعم ولذلك يطلق لكل شبح يرى ولا يعرف ، أو لأنه أريد به الوصف كأنه قيل ومعبودهم أو لتغليب الأصنام تحقيرا أو اعتبار لغلبة عبادها ، أو يخص الملائكة وعزيرا والمسيح بقرينة السؤال والجواب ، أو الأصنام ينطقها الله أو تتكلم بلسان الحال كما قيل في كلام الأيدي والأرجل . { فيقول } أي للمعبودين وهو على تلوين الخطاب ، وقرأ ابن عامر بالنون . { أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل } لإخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد النصيح ، وهو استفهام تقريع وتبكيت للعبدة ، وأصله { أأضللتم } أو { ضلوا } فغير النظم ليلي حرف الاستفهام المقصود بالسؤال وهو المتوالي للفعل دونه لأنه لا شبهة فيه وإلا لما توجه العتاب وحذف صلة الضل مبالغة .
المعنى واذكر يوم ، والضمير في { نحشرهم } للكفار ، وقوله { وما يعبدون } يريد به كل شيء عبد من دون الله فغلب العبارة عما لا يعقل من الأوثان لأنها كانت الأغلب وقت المخاطبة ، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص والأعرج وأبو جعفر «يحشرهم » «فيقول » بالياء ، وفي قراءة عبد الله «وما يعبدون من دونك » ، وقرأ الأعرج «نحشِرهم » بكسر الشين وهي قليل في الاستعمال قوية في القياس لأن يفعِل بكسر العين في المتعدي أقيس من يفعُل بضم العين{[8795]} ، وهذه الآية تتضمن الخبر عن أن الله يوبّخ الكفار في القيامة بأن يوقف المعبودين على هذا المعنى ليقع الجواب بالتبري من الذنب فيقع الخزي على الكافرين ، واختلف الناس في الموقف المجيب في هذه الآية ، فقال جمهور المفسرين هو كل من ظلم بأن عبد ممن يعقل كالملائكة وعزير وعيسى وغيرهم ، وقال الضحاك وعكرمة الموقف المجيب الأصنام التي لا تعقل يقدرها الله تعالى يومئذ على هذه المقالة ويجيء خزي الكفرة لذلك أبلغ .