المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

70- يأيها النبي ، قل للذين وقعوا في أيديكم من الأسرى : إن يكن في قلوبكم خير يعلمه اللَّه ، يخلف لكم خيرا مما أخذه المؤمنون منكم ، ويغفر لكم ما كان من الشرك والسيئات ، واللَّه كثير المغفرة والرحمة لمن تاب من كفره ومن ذنبه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } ، قرأ أبو عمرو وأبو جعفر : ( من الأسارى ) بالألف ، والباقون بلا ألف . نزلت في العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وكان أسر يوم بدر ، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا طعام أهل بدر ، وكان يوم بدر نوبته ، وكان خرج بعشرين أوقية من الذهب ليطعم بها الناس ، فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرون أوقية معه ، فأخذت منه في الحرب ، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتسب العشرين أوقية من فدائه فأبى وقال : أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا أتركه لك ، وكلف فداء بني أخيه عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث ، فقال العباس : يا محمد ، تركتني أتكفف قريشاً ما بقيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها : إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا ، فإن حدث بي حدث فهو لك ، ولعبد الله ، ولعبيد الله ، وللفضل ، وقثم ، يعني الأربعة ، فقال له العباس : وما يدريك ؟ قال : أخبرني به ربي عز وجل ، قال العباس : أشهد أنك صادق ، وقال : لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله ، ولم يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل ، فذلك قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } الذين أخذت منهم الفداء .

قوله تعالى : { أن يعلم الله في قلوبكم خيراً } ، أي إيماناً .

قوله تعالى : { يؤتكم خيراً مما أخذ منكم } من الفداء .

قوله تعالى : { ويغفر لكم } ، ذنوبكم .

قوله تعالى : { والله غفور رحيم } قال العباس رضي الله عنه : فأبدلني الله عنها عشرين عبداً كلهم تاجر يضرب بمال كثير وأدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان عشرين أوقية ، وأعطاني زمزم وما أحب أن لي بها جميع أموال مكة ، وأنا أنتظر المغفرة من ربي عز وجل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

ثم أمرت السورة النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر الأسرى بأنهم إذا فتحوا قلوبهم للحق واستجابوا له - سبحانه - سيعوضهم عما فقدوه خيراً منه ، أما إذا استمروا في كفرهم وعنادهم فإن الدائرة ستدور عليهم . استمع إلى السورة الكريمة وهى تصور هذا المعنى بأسلوبها البليغ فتقول : { ياأيها النبي . . . والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .

قال : ابن كثير : " عن الزهرى عن جماعة سماهم قالوا : بعثت قريش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا .

وقال العباس : يا رسول الله ! قد كنت مسلماً ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الله أعلم بإسلامك ، فإن يكن كما تقول ، فإن الله يجزيك . وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابنى أخيك نوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبى طالب ، وحليفك عتبة بن عمرو أخى بنى الحارث بن فهر

" . قال العباس : ما ذاك عندى يا رسول الله ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ، فقلت لها : إن أصبت في سفرى هذا فهذا المال الذي دفنته لبنىّ : الفضل ، وعبد الله ، وقثم " ؟

قال : والله يا رسول الله إنى لأعلم أنك رسول الله . إن هذا الشئ ما علمه أحد غيرى وغير أم الفضل ، فاحسب لى يا رسول الله ما أصبتم منى : - عشرين أوقية من مال كان معى - .

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " لا ، ذاك شئ أعطانا الله منك " .

ففدى نفسه وابنى أخويه وحليفه . فأنزل الله - تعالى - فيه { ياأيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى } الآية .

قال العباس : فأعطانى الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام ، عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به . مع ما أجرو من مغفرة الله - تعالى - " .

وفى صحيح البخارى " عن أنس : أن رجالاً من الأنصار قالوا : يا رسول الله ائنذ لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه .

فقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا والله ! لا تذرون منها درهما " هذا والآية الكريمة وإن كانت قد نزلت في العباس إلا أنها عامة في جميع الأسرى : إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ولأن الخطاب فيها موجه إلى سائر الأسرى لا إلى فرد منهم دون آخر .

والمعنى : { ياأيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ } أى : قل للذين تحت تصرف أيدكم { مِّنَ الأسرى } أى : من اسرى المشركين في بدر الذين أخذتم منهم الفداء لتطلقوا سراحهم .

قل لهم - أيها النبى الكريم - { إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } أى : إيماناً وتصديقاً وعزماً على اتباع الحق ونبذ الكفر والعناد . . إن يعلم الله - تعالى - منكم ذلك { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ } من فداء ، بأن يخلفه عليكم في الدنيا ، ويمنحكم الثواب الجزيل في الآخرة .

ولقد صدق الله - تعالى - وعده مع من آمن وعمل صالحاً من هؤلاء الأسرى ، فأعطاهم الكثير من نعمه كما قال العباس - رضى الله عنه -

وقوله : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } زيادة في حضهم على الدخول في الإِيمان .

وقوله : { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } تذييل قصد به تأكيد ما قبله من الوعد بالخير والمغفرة .

أى : والله - تعالى - واسع المغفرة ، والرحمة لمن استجاب للحق ، وقدم العمل الصالح .

والتعبير ، بقوله : { لِّمَن في أَيْدِيكُمْ } للإِشعار بأن هؤلاء الأسرى المشركين قد صاروا في قبضة المؤمنين وتحت تصرفهم ، حتى لكأن أيديهم قابضة عليهم .

وأسند وجود الخير في قلوبهم إلى علم الله - تعالى - للإِشارة إلى أن ادعاء الإِيمان باللسان فقط لا يكفل لهم الحصول على الخير الذي فقدوه ولا يوصلهم إلى مغفرة الله - تعالى - فعليهم أن يخلصوا لله في إيمانهم حتى ينالوا فضله وثوابه ، فهو - سبحانه - عليم بذات الصدور .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

55

ثم يلمس قلوب الأسرى لمسة تحيي فيها الرجاء ، وتطلق فيها الأمل ، وتشيع فيها النور ، وتعلقها بمستقبل خير من الماضي ، وبحياة أكرم مما كانوا فيه ، وبكسب أرجح مما فقدوا من مال وديار وبعد ذلك كله بالمغفرة والرحمة من الله :

( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى : إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ، ويغفر لكم ، والله غفور رحيم ) . .

هذا الخير كله معلق بأن تصلح قلوبهم فتتفتح لنور الإيمان ؛ فيعلم الله أن فيها خيراً . . والخير هو الإيمان حتى ما يحتاج إلى ذكر وتنصيص . الخير محض الخير ، والذي لا يسمى شيء ما خيراً إلا أن يستمد منه وينبثق منه ويقوم عليه .

إن الإسلام إنما يستبقي الأسرى لديه ، ليلمس في قلوبهم مكامن الخير والرجاء والصلاح ، وليوقظ في فطرتهم أجهزة الاستقبال والتلقي والتأثر والاستجابة للهدى . لا ليستذلهم انتقاماً ، ولا ليسخرهم استغلالاً ؛ كما كانت تتجه فتوحات الرومان ؛ وكما تتجه فتوحات الأجناس والأقوام !

عن الزهري عن جماعة سماهم قال : بعثت قريش في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا . وقال العباس : يا رسول الله قد كنت مسلماً ! فقال رسول الله [ ص ] : " الله أعلم بإسلامك ، فإن تكن كما تقول فإن الله يجزيك ، وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابني أخيك نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ، وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر " : قال " : ما ذاك عندي يا رسول الله " ! قال : " فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ، قلت لها : إن أصبت في سفري هذا فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبدالله وقثم ? " . قال : " والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله . إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل . فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني - عشرين أوقية من مال كان معي " ! - فقال رسول الله [ ص ] : " لا . ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك " . ففدى نفسه وبني أخويه وحليفه . فأنزل الله عز وجل : ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ، ويغفر لكم ، والله غفور رحيم ) . . قال العباس : فأعطاني الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

{ يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } وقرأ أبو عمرو " من الأسارى " . { إن يعلم الله في قلوبكم خيرا } إيمانا وإخلاصا . { يُؤتكم خيرا مما أُخذ منكم } من الفداء . روي أنها نزلت في العباس رضي الله عنه كلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفدي نفسه وابني أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فقال : يا محمد تركتني أتكفف قريشا ما بقيت فقال : أين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك وقلت لها : إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله وعبيد الله والفضل وقثم ، فقال العباس : وما يدريك ، قال : أخبرني به ربي تعالى ، قال فأشهد أنك صادق وأن لا إله إلا الله وأنك رسوله والله لم يطلع عليه أحد إلا الله ولقد دفعته إليها في سواد الليل ، قال العباس فأبدلني الله خيرا من ذلك لي الآن عشرون عبدا إن أدناهم ليضرب في عشرين ألفا وأعطاني زمزم ما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربكم ) يعني الموعود بقوله : { ويغفر لكم والله غفور رحيم } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (70)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا}، يعنى إيمانا، كقوله: {لن يؤتيهم الله خيرا} [هود:31] يعنى إيمانا، وهذا في هود، {يؤتكم خيرا مما أخذ منكم} من الفداء، فوعدهم الله أن يخلف لهم أفضل ما أخذ منهم، {ويغفر لكم} ذنوبكم، {والله غفور} لما كان منهم من الشرك من ذنوبهم، ذو تجاوز، {رحيم} بهم في الإسلام.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبيّ قل لمن في يديك وفي يدي أصحابك من أسرى المشركين الذين أخذ منهم من الفداء ما أخذ "إنْ يَعْلَمِ الله في قُلُوبِكُمْ خَيْرا "يقول: إن يعلم الله في قلوبكم إسلاما يؤتكم خيرا مما أخذ منكم من الفداء. "وَيَغْفِرْ لَكُمْ" يقول: ويصفح لكم عن عقوبة جرمكم الذي اجترمتموه بقتالكم نبيّ الله وأصحابه وكفركم بالله.

"وَاللّهُ غَفُورٌ" لذنوب عباده إذا تابوا، "رَحِيمٌ" بهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة. وذُكر أن العباس بن عبد المطلب كان يقول: فيّ نزلت هذه الآية...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال عامة أهل التأويل: إن الآية نزلت في العباس بن عبد المطلب وأصحابه، وكذلك يقول ابن عباس: قالوا للنبي: آتنا بما جئت به، ونشهد أنك رسول الله، فنزل (إن يعلم الله) اعتقاد الإيمان والتصديق له (في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) أي إيمانا وتصديقا، فيخلف عليكم خيرا مما أصيب منكم. لكنها فيه وفي غيره: من فعل مثل فعله فهو في ذلك سواء؛ يكون من الموعود الذي ذكر ما يكون له. وقوله تعالى: (يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) أي ما آتاكم خير، وهو الإيمان مما أخذ من المال الذي ذكر في القصة.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

الذي يعْطَوْنه خيرٌ مما أُخِذَ منهم. ويحتمل أن يكون ما في الآخرة من حسن الثواب، ويحتمل أن يكون ما في الدنيا من جميل العِوَض. ويقال هو ما يوصلهم إليه من توفيق الطاعات، وحلاوة الإيمان، وهو خيرٌ مما أُخِذَ منهم.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

لَمَّا أُسِرَ من أُسَارَى الْمُشْرِكِينَ رُوِيَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُمْضُوا بِذَلِكَ عَزِيمَةً، وَلَا اعْتَرَفُوا بِهِ اعْتِرَافًا جَازِمًا. وَيُشْبِهُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَقْرَبُوا من الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَبْعُدُوا من الْمُشْرِكِينَ، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ... وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ الْحَقِيقَةَ؛ فَقَالَ: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَك} أَيْ إنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ خِيَانَةً وَمَكْرًا {فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ من قَبْلُ} بِكُفْرِهِمْ وَمَكْرِهِمْ بِك وَقِتَالِهِمْ لَك، فَأَمْكَنَك مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ خَيْرًا وَيَعْلَمُهُ اللَّهُ فَيَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَيُعَوِّضُهُمْ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُمْ وَيَغْفِرُ لَهُمْ مَا تَقَدَّمَ من كُفْرِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ وَمَكْرِهِمْ.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واختلف المفسرون في أن الآية نازلة في العباس خاصة، أو في جملة الأسارى؛

قال قوم: إنها في العباس خاصة، وقال آخرون: إنها نزلت في الكل، وهذا أولى، لأن ظاهر الآية يقتضي العموم من ستة أوجه:

أحدها: قوله: {قل لمن في أيديكم}.

وثانيها: قوله: {من الأسرى}.

وثالثها: قوله: {في قلوبكم}.

ورابعها: قوله: {يؤتكم خيرا}.

وخامسها: قوله: {مما أخذ منكم}.

وسادسها: قوله: {ويغفر لكم}.

فلما دلت هذه الألفاظ الستة على العموم، فما الموجب للتخصيص؟ أقصى ما في الباب أن يقال: سبب نزول الآية هو العباس، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{يا أيها النبي} أي الذي أنبئه بكل معنى جليل، يظهر دينه ويزكي أمته مع رفع مقداره وإتمام أنواره {قل لمن في أيديكم} أي في أيدي أصحابك وأهل دينك، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب {من الأسرى} ترغيباً لهم فيما عند الله {إن يعلم الله} بما له من صفات الجلال والجمال {في قلوبكم خيراً} أي شيئاً من تقواه الحاملة على الإيمان الذي هو رأس الخير وعلى كل خير {يؤتكم خيراً مما أخذ منكم} أي مما يفتح به عليكم من المغانم في الدنيا ويدخره لكم من الثواب في الأخرى...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم (70) وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم (71)}.

هاتان الآيتان متمتان للكلام في أسرى بدر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بترغيبهم في الإسلام ببيان ما فيه من خيري الدنيا والآخرة، وبتهديدهم وإنذارهم عاقبة بقائهم على الكفر وخيانته صلى الله عليه وسلم، ويتضمن ذلك البشارة بحسن العاقبة والظفر له ولمن اتبعه من المؤمنين.

قال تعالى: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى} أي قل للذين في تصرف أيديكم من الأسرى وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر من الأسارى الذين أخذتم منهم الفداء {إن يعلم الله في قلوبكم خيرا} إن كان الله تعالى يعلم أن في قلوبكم إيمانا كامنا بالفعل أو بالاستعداد الذي سيظهر في إبانه أو كما يدعي بعضكم بلسانه، والله أعلم بما في قلوبكم {يؤتكم خيرا مما أخذ منكم} أي يعطكم إذ تسلمون ما هو خير لكم مما أخذه المؤمنون منكم من الفداء بما تشاركونهم فيه من الغنائم وغيرها من نعم الدين التي وعدهم الله بها.

روى أبو الشيخ عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أن ابن عباس وأصحابه قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله فنزل {إن يعلم الله في قلوبكم خيرا} أي إيمانا وتصديقا يخلف لكم خيرا مما أصيب منكم {ويغفر لكم} أي ما كان من الشرك وما ترتب عليه من السيئات. فكان عباس يقول ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وأن لي ما في الدنيا من شيء، فلقد أعطاني الله خيرا مما أخذ مني مائة ضعف، وأرجو أن يكون غفر لي الله. وقد أخذ هذا من قوله: {والله غفور رحيم} أي غفور لمن تاب من كفره ومن ذنبه بالأولى رحيم بالمؤمنين. والمراد بهذه الرحمة الخاصة التي تشمل سعادة الآخرة، وأما الرحمة العامة فقد وسعت كل شيء. وهذا ترغيب لهم في الإسلام ودعوة إليه، وعدم عدهم مسلمين بما قاله بعضهم، ولذلك قال: {وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم}.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إن الإسلام إنما يستبقي الأسرى لديه، ليلمس في قلوبهم مكامن الخير والرجاء والصلاح، وليوقظ في فطرتهم أجهزة الاستقبال والتلقي والتأثر والاستجابة للهدى. لا ليستذلهم انتقاماً، ولا ليسخرهم استغلالاً؛ كما كانت تتجه فتوحات الرومان؛ وكما تتجه فتوحات الأجناس والأقوام!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمراد بالخير محبّة الإيمان والعزم عليه، أي: فإذا آمنتم بعد هذا الفِداء يؤتكم الله خيراً ممّا أخذ منكم. وليس إيتاء الخير على مجرّد محبة الإيمان والميل إليه، كما أخبر العبّاس عن نفسه، بل المراد به ما يترتّب على تلك المحبّة من الإسلام بقرينة قوله: {ويغفر لكم}. وكذلك ليس الخير الذي في قلوبهم هو الجزم بالإيمان: لأنّ ذلك لم يدَّعوه ولا عرِفوا به... والخيرُ منه هو الأوفر من المال بأن ييسِّر لهم أسباب الثروة بالعطاء من أمْوال الغنائم وغيرها. فقد أعطَى رسول الله صلى الله عليه وسلم العباسَ بعد إسلامه مِن فَيْءِ البَحرين. وإنّما حملنا الخير على الأفضل من المال؛ لأنّ ذلك هو الأصل في التفضيل بين شيئين أن يكون تفضيلاً في خصائص النوع، ولأنّه عطف عليه قوله: {ويغفر لكم} وذلك هو خير الآخرة المترتّب على الإيمان، لأنّ المغفرة لا تحصل إلاّ للمؤمن...

والتذييلُ بقوله: {والله غفور رحيم} للإيماء إلى عظم مغفرته التي يغفر لهم، لأنّها مغفرة شديدِ الغفران رحيمٍ بعبَاده، فمثال المبالغة وهو غفور المقتضي قوةَ المغفرة وكثرتها، مستعمل فيهما باعتبار كثرة المخاطبين وعِظم المغفرة لكلّ واحد منهم...

، والخيرُ منه هو الأوفر من المال بأن ييسِّر لهم أسباب الثروة بالعطاء من أمْوال الغنائم وغيرها. فقد أعطَى رسول الله صلى الله عليه وسلم العباسَ بعد إسلامه مِن فَيْءِ البَحرين. وإنّما حملنا الخير على الأفضل من المال؛ لأنّ ذلك هو الأصل في التفضيل بين شيئين أن يكون تفضيلاً في خصائص النوع {ويغفر لكم} وذلك هو خير الآخرة المترتّب على الإيمان، لأنّ المغفرة لا تحصل إلاّ للمؤمن.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وقد أمر الله تعالى نبيه بأن يتجه إلى الأسرى يرشدهم ويهديهم ويطيب نفوسهم، فيقول تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

يظهر أن ذلك العتب كان والأسرى لا يزالون بالمدينة أو أكثرهم، وكانوا قد دفعوا الفداء؛ وذلك لأنه سبحانه أمر نبيه بأن يخاطبهم هذا الخطاب وعبر بأنهم لا يزالون في أيدي المسلمين أو بعضهم.

خاطب الله نبيه بأن يقول لهم كلمة رحيمة هادية تقرب القلوب، ولا تجفيها، قال سبحانه لنبيه: {قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى}، أي لا يزالون تحت سلطانكم، وقريبين منكم {إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ} أي إن يعلم الله في قلوبكم خيرا، وهو رجاء الإيمان منكم، أو قرب احتماله، يؤتكم خيرا مما أخذ منكم أي يؤتكم إيمانا وأن تكونوا في صفوف جيش الله ومع المؤمنين، فيكون الإيمان، وهو خير مطلق، وفضل عميم ويؤتكم من خير الغنائم أكثر مما أخذ منكم.

وهذا تحريض على الإيمان. وقوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ} من غنائم غنمها المسلمون، ومن فدية افتديتم بها أنفسكم،وقد روت صحاح السنة أن ممن شملهم خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ويقول بعض المفسرين: إن الآية نزلت فيه، ونحن نقول: إنها تشمله فيمن كان معه من الأسرى الذين أخذت منهم غنائم في القتال، وأخذت فيه فدية في الأسر، وقد عوض من الأمرين خيرا مما أخذ منه.

...ثم ختم الله تعالى الآية الكريمة بقوله: {والله غفور رحيم}، أي أنه سبحانه وتعالى مع هذا العطاء المضاعف لما أخذ منكم يعطيكم شيئا غير قابل للتعويض وهو من فضل الله ورحمته وهو غفران ما أسلفتم من كفر وجحود ومعاندة لله تعالى، فهو الغفور الذي يغفر ما سبق بأبلغ درجات الغفران ويرحمكم أبلغ الرحمة.