قال ابن عباس : إن امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد مرضعة ، وكلما أتوا بمرضعة لم يأخذ ثديها ، فذلك قوله عز وجل : { وحرمنا عليه المراضع } والمراد من التحريم المنع ، والمراضع : جمع المرضع ، { من قبل } أي : من قبل مجيء أم موسى ، فلما رأت أخت موسى التي أرسلتها أمه في طلبه ذلك قالت لهم : هل أدلكم . وفي القصة أن موسى مكث ثمان ليال لا يقبل ثدياً ويصبح وهم في طلب مرضعة له . { فقالت } يعني أخت موسى ، { هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه } أي : يضمنونه { لكم } ويرضعونه ، وهي امرأة قد قتل ولدها فأحب شيء إليها أن تجد صغيراً ترضعه ، { وهم له ناصحون } والنصح ضد الغش ، وهو تصفية العمل من شوائب الفساد ، قالوا : نعم فأتينا بها . قال ابن جريج والسدي : لما قالت أخت موسى : { وهم له ناصحون } أخذوها وقالوا : إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله . فقالت : ما أعرفه ، وقلت هم للملك ناصحون . وقيل : إنها قالت : إنما قلت هذا رغبة في سرور الملك واتصالنا به . وقيل إنها لما قالت : { هل أدلكم على أهل بيت } قالوا لها : من ؟ قالت : أمي ، قالوا : ولأمك ابن ؟ قالت : نعم هارون ، وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها الولدان ، قالوا : صدقت ، فأتينا بها ، فانطلقت إلى أمها وأخبرتها بحال ابنها ، وجاءت بها إليهم ، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها ، وجعل يمصه حتى امتلأ جنباه رياً . قال السدي : كانوا يعطونها كل يوم ديناراً .
ثم بين - سبحانه - مظهرا من مظاهر حكمته وقدرته وتدبيره لأمر موسى كى يعود إلى أمه ، فقال - تعالى - .
{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع مِن قَبْلُ . . . } .
والمراد بالتحريم هنا : المنع ، والمراضع : جمع مرضع - بضم الميم وكسر الضاد - وهى المرأة التى ترضع .
أى : ومنعنا موسى بقدرتنا وحكمتنا من أن يرضع من المرضعات وكان ذلك من قبل أن تعلم بخبره أمه وأخته .
قال ابن كثير : قوله - تعالى - : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع مِن قَبْلُ } أى : تحريما قدريا ، وذلك لكرامة الله له ، صانه عن أن يرتضع غير ثدى أمه ، لأنه - سبحانه - جعل ذلك سببا إلى رجوعه إلى أمه ، لترضعه وهى آمنة بعد أن كانت خائفة . . .
وقوله - سبحانه - : { فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } حكاية لما قالته أخت موسى لفرعون وحاشيته ، والاستفهام للتحضيص .
أى : وبعد أن بصرت أخت موسى به عن جنب ، ورأت رفضه للمراضع ، وبحثهم عمن يرضعه ، قالت : { هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ } أى : يقومون بتربيته وإرضاعه من أجل راحتكم وراحته ، { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } أى : وهم لا يمنعونه ما ينفعه فى تربيته وغذائه ، ولا يقصرون فيما يعود عليه بالخير والعافية .
وحرمنا عليه المراضع من قبل . فقالت : هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ? ) . .
إن القدرة التي ترعاه تدبر أمره ، وتكيد به لفرعون وآله ؛ فتجعلهم يلتقطونه ، وتجعلهم يحبونه ، وتجعلهم يبحثون له عن ظئر ترضعه ، وتحرم عليه المراضع ، لتدعهم يحتارون به ؛ وهو يرفض الثدي كلما عرضت عليه ، وهم يخشون عليه الموت أو الذبول ! حتى تبصر به أخته من بعيد ، فتعرفه وتتيح لها القدرة فرصة لهفتهم على مرضع ، فتقول لهم : ( هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون )? فيتلقفون كلماتها ، وهم يستبشرون ، يودون لو تصدق فينجو الطفل العزيز المحبوب !
{ وحرمنا عليه المراضع } ومنعناه أن يرتضع من المرضعات ، جمع مرضع أو مرضع وهو الرضاع ، أو موضعه يعني الثدي . { من قبل } من قبل قصها أثره . { فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم } لأجلكم { وهم له ناصحون } لا يقصرون في إرضاعه وتربيته ، روي أن هامان لما سمعه قال : إنها لتعرفه وأهله فخذوها حتى تخبر بحاله ، فقالت : إنما أردت وهم للملك ناصحون ، فأمرها فرعون أن تأتي بمن يكفله فأتت بأمها وموسى على يد فرعون يبدي وهو يعلله ، فلما وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال لها : من أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك ؟ فقالت : أني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أوتى بصبي إلا قبلني فدفعه إليها وأجرى عليها ، فرجعت به إلى بيتها من يومها ، وهو قوله تعالى : { فرددناه إلى أمه كي تقر عينها } بولدها . { ولا تحزن } بفراقه . { ولتعلم أن وعد الله حق } علم مشاهدة . { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن وعده حق فيرتابون فيه ، أو أن الغرض الأصلي من الرد علمها بذلك وما سواه تبع ، وفيه تعريض بما فرط منها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.