قوله تعالى :{ قال عفريت من الجن } وهو المارد القوي ، قال وهب : اسمه كوذي ، وقيل : ذكوان ، قال ابن عباس : العفريت الداهية . وقال الضحاك : هو الخبيث . وقال الربيع : الغليظ ، قال الفراء : القوي الشديد ، وقيل : هو صخرة الجني ، وكان بمنزلة جبل يضع قدمه عند منتهى طرفه ، { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } أي : من مجلسك الذي تقضي فيه ، قال ابن عباس : وكان له كل غداة مجلس يقضي فيه إلى متسع النهار ، { وإني عليه } أي : على حمله ، { لقوي أمين } على ما فيه من الجواهر ، فقال سليمان : أريد أسرع من هذا .
وبعد أن قال سليمان لجنده أيكم يأتينى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين ، رد عليه عفريت من الجن بقوله : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } .
والعفريت : هو المارد القوى من الشياطين ، الذين سخرهم الله - تعالى - لخدمة سليمان وللقيام بأداء ما يكلفهم به . ويقال له : عفرين ، وعفريتة - بكسر العين وسكون الفاء - .
أى : قال عفريت من الجن لسليمان : أنا آتيك بعرش هذه الملكة ، قبل أن تقوم من مقامك ، أى : قبل أن تقوم من مجلسك هذا الذى فيه للقضاء بين الناس . او قبل أن تقف من جلوسك .
{ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } أى : وإنى على حمله وإحضاره من تلك الأماكن البعيدة إليك ، لقوى على ذلك ، بحيث لا يثقل على حمله ، ولأمين على إحضاره دون أن يضيع منه شىء .
{ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ } قال مجاهد : أي مارد من الجن .
قال شُعَيب الجبائي : وكان اسمه كوزن . وكذا قال محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان . وكذا قال أيضا وهب بن منبه .
قال أبو صالح : وكان كأنه جبل .
{ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ } قال ابن عباس : يعني : قبل أن تقوم من مجلسك . وقال مجاهد : مقعدك ، وقال السدي ، وغيره : كان يجلس للناس للقضاء والحكومات وللطعام{[22047]} من أول النهار إلى أن تَزول الشمس .
{ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } : قال ابن عباس : أي قوي على حمله ، أمين على ما فيه من الجوهر .
فقال سليمان ، عليه السلام : أريد أعجل من ذلك . ومن هاهنا يظهر أن النبي سليمان أراد بإحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهبه الله له من الملك ، وسَخَّر له من الجنود ، الذي لم يعطه أحد قبله ، ولا يكون لأحد من بعده . وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها ؛ لأن هذا خارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يَقْدموا عليه . هذا وقد حجبته بالأغلاق والأقفال والحفظة . فلما قال سليمان : أريد أعجل من ذلك ،
والتاء في { عفريت } زائدة ، وقد قالوا تعفرت الرجل إذا تخلق بخلق الإذاية ، قال وهب بن منبه اسم هذا العفريت كودا ، وروي عن ابن عباس أنه صخر الجني ومن هذا الاسم قول ذي الرمة : [ البسيط ]
كأنه كوكب في إثر عفرية . . . مصوب في سواد الليل منقضب{[9023]}
وقوله { قبل أن تقوم من مقامك } قال مجاهد وقتادة وابن منبه معناه قبل قيامك من مجلس الحكم ، وكان يجلس من الصبح إلى وقت الظهر في كل يوم ، وقيل معناه فبل أن تستوي من جلوسك قائماً .
وقوله : { آتيك } يجوز أن يكون فعلاً مضارعاً من أتى ، وأن يكون اسم فاعل منه ، والباء على الاحتمالين للتعدية . ولمّا علم سليمان بأنها ستحضر عنده أراد أن يبهتها بإحضار عرشها الذي تفتخر به وتعده نادرة الدنيا ، فخاطب ملأه ليظهر منهم منتهى علمهم وقوتهم . فالباء في { بعرشها } كالباء في قوله : { فلنأتينّهم بجنود } [ النمل : 37 ] تحتمل الوجهين .
وجملة : { قال يا أيها الملؤا } مستأنفة ابتداء لجزء من قصة . وجملة : { قال عفريت } واقعة موقع جواب المحاورة ففصلت على أسلوب المحاورات كما تقدم غير مرة . وجملة : { قال الذي عنده علم من الكتاب } أيضاً جواب محاورة .
ومعنى { عفريت } حسبما يستخلص من مختلف كلمات أهل اللغة أنه اسم للشديد الذي لا يصاب ولا ينال ، فهو يُتَّقى لشَره . وأصله اسم لعُتاة الجن ، ويوصف به الناس على معنى التشبيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.