اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ عِفۡرِيتٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَۖ وَإِنِّي عَلَيۡهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٞ} (39)

قوله : «قَالَ عِفْرِيتٌ »{[38963]} العامة على كسر العين وسكون الفاء{[38964]} بعدها تاء مجبورة .

وقرأ أبو حيوة : بفتح العين{[38965]} ، وأبو رجاء وأبو السمال - ورويت عن أبي بكر الصديق - «عفرية » مفتوحة بعدها تاء التأنيث المنقلبة هاء وقفاً{[38966]} ، وأنشدوا على ذلك قول ذي الرمة :

3962 - كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ فِي إِثْرِ عِفْرِيَةٍ *** مَصَوَّبٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ مُنْقَضِبُ{[38967]}

وقرأت طائفة «عِفْر » بحذف الياء والتاء{[38968]} ، فهذه أربع قراءات قد قرئ بهن ، وفيه لغتان أخريان ، وهما : عُفَارِيَّةٌ ، وطيّىء وتميم يقولون : عِفْرَى بألف التأنيث كذكرى{[38969]} ، واشتقاقه من العفر ، وهو التراب ، يقال : عافره فعفره أي : صارعه فصرعه وألقاه في العفر وهو التراب . وقيل : من العفر ، وهو القوة{[38970]} . والعفريت من الجن المارد الخبيث ، ويقال : عفريت نفريت ، وهو إتباع كشيطان ليطان{[38971]} ، وحسن بسن{[38972]} . ويستعار للعارم من الإنس ، ولاشتهار هذه الاستعارة وصف في الآية بكونه من الجن ، تمييزاً له . قال ابن قتيبة : العفرية الموثق الخلق{[38973]} . وعفرية الديك والحبارى للشعر الذي على رأسهما{[38974]} . وعَفَرْنَى للقويّ{[38975]} ، ورجل عِفِرٌّ - بتشديد الراء - للمبالغة ، مثل : شرّ شِمرٌّ{[38976]} . قيل : إِنَّ الشيطان أقوى من الجن ، وإن المردة أقوى من الشياطين ، وإن العفريت أقوى منهما . قال بعض المفسرين : العفريت من الرجال الخبيث المنكر{[38977]} ، وقال ابن عباس : العفريت ، الداهية{[38978]} ، وقال الربيع{[38979]} : الغليظ{[38980]} ، وقال الفراء : القوي الشديد{[38981]} .

قوله : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ } يجوز أن يكون فعلاً مضارعاً ، فوزنه أفعل ، نحو : أضرب ، والأصل : أأتيك - بهمزتين - فأبدلت الثانية ألفاً{[38982]} ، وأن يكون اسم فاعل ، ووزنه فاعل ، والألف زائدة ، والهمزة أصلية عكس الأول{[38983]} . وأمال{[38984]} حمزة «آتيك » في الموضعين في هذه السورة بخلاف عن خلاد{[38985]} .

فصل :

قوله : { قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } أي : مجلسك الذي تقضي فيه ، قال ابن عباس : كان له في{[38986]} كل غداة مجلس يقضي فيه إلى انتصاف النهار{[38987]} ، «وإِنِّي عليهِ » على حمله ، «لَقويٌّ{[38988]} أَمين » به على ما فيه من الجواهر ، فقال سليمان : أريد أسرع من هذا ،


[38963]:في ب: "قال عفريت من الجن".
[38964]:في الأصل: الياء. وهو تحريف.
[38965]:الظاهر أن المراد: عفريت. كقراءة العامة في المرسوم، أحد اللغات في هذا اللفظ، وفي المختصر قال ابن خالويه: (عفرية أبو حيوة) 109، وانظر البحر المحيط 7/76.
[38966]:المختصر (109)، المحتسب 2/141، البحر المحيط 7/76.
[38967]:البيت من بحر البسيط، قاله ذو الرمة وهو في ديوانه 1/11، مجاز القرآن 2/95، الكامل 2/1010، تفسير ابن عطية 11/207، القرطبي 13/203، اللسان (قضب) البحر المحيط 7/51، 76، والبيت في وصف ثور وحشي، منقضب: منقطع. يقول: كأن الثور كوكب كمصوب منقض في إثر عفرية في سواد الليل. والشاهد فيه قوله: (عفرية) فإنها لغة في (عفريت).
[38968]:تفسير ابن عطية 11/207، البحر المحيط 7/76.
[38969]:انظر البحر المحيط 7/76.
[38970]:انظر اللسان (عفر).
[38971]:في ب: نيطان.
[38972]:انظر الإتباع والمزاوجة لابن فارس (32 ،67).
[38973]:وعبارته في تفسير غريب القرآن: (قال عفريت من الجن أي: شديد "وثيق") 324.
[38974]:مفردات غريب القرآن (339).
[38975]:في لسان العرب (عفر): وأسد عفر وعِفرية وعفارية وعفريت وعفرنى: شديد قوي.
[38976]:شر ِشمِرّ، بكسر الشن وتشديد الراء، بوزن رجل عِفِرّ: وهو الموثق الخلق المصحّ الشديد، ومعنى شر شمر إذا كان شديداً يتشمّر فيه عن الساعدين. اللسان (شمر).
[38977]:انظر الكشاف 3/143.
[38978]:انظر البغوي 6/282.
[38979]:هو الربيع بن نافع الحلبي أبو توبة الطرسوسي، أخذ عن معاوية بن سلام وأبي الأحوص وإبراهيم بن سعد وخلق وأخذ عنه أبو داود، مات سنة 241 هـ، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/472-473.
[38980]:انظر البغوي 6/282.
[38981]:معاني القرآن 2/294.
[38982]:لأنه إذا التقى همزتان في كلمة، وكانت الأولى متحركة والثانية ساكنة أبدلت الثانية حرف مدٍّ من جنس حركة الأولى.
[38983]:انظر الكشاف 3/143، تفسير ابن عطية 11/210، التبيان 2/1009، البحر المحيط 7/76.
[38984]:في ب: وأما. وهو تحريف.
[38985]:السبعة (482)، الإتحاف (337).
[38986]:في: سقط من ب.
[38987]:انظر البغوي 6/283.
[38988]:في ب: القوي. وهو تحريف.