قوله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } أي : عمل ، كقوله : { إن سعيكم لشتى }( الليل-4 ) وهذا أيضاً في { صحف إبراهيم وموسى }( الأعلى-19 ) . وقال ابن عباس : هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة ، بقوله : { ألحقنا بهم ذريتهم }( الطور-21 ) فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء . وقال عكرمة : كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى ، فأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم ، لما روي أن امرأة رفعت صبياً لها فقالت : يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال : " نعم ولك أجر " . وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي افتلتت نفسها ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : نعم . وقال الربيع بن أنس : ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) يعني الكافر ، فأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له . قيل : ليس للكافر من الخير إلا ما عمل هو ، فيثاب عليه في الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير . ويروى أن عبد الله بن أبي كان أعطى العباس قميصاً ألبسه إياه ، فلما مات أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه ليكفنه فيه ، فلم يبق له حسنة في الآخرة يثاب عليها .
ولا يقدح فى ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى . . . } معطوف على ما قبله ، لبيان عدم إثابة الإنسان بعمل غيره ، إثر بيان عدم مؤاخذته بذنب سواه .
أى : كما أنه لا تحمل نفس آثمة حمل نفس اخرى ، فكذلك لا يحصل الإنسان إلا على نتيجة عمله الصالح ، لا على نتيجة عمل غيره .
فالمراد بالسعى فى الآية . السعى الصالح ، والعمل الطيب ، لأنه قد جاء فى مقابلة الحديث عن الأوزار والذنوب .
( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) . .
كذلك . فما يحسب للإنسان إلا كسبه وسعيه وعمله . لا يزاد عليه شيء من عمل غيره . ولا ينقص منه شيء ليناله غيره . وهذه الحياة الدنيا هي الفرصة المعطاة له ليعمل ويسعى . فإذا مات ذهبت الفرصة وانقطع العمل . إلا ما نص عليه حديث رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في قوله : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : من ولد صالح يدعو له . أو صدقة جارية من بعده . أو علم ينتفع به " . . وهذه الثلاثة في حقيقتها من عمله . ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي - رحمه الله - ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم . ولهذا لم يندب إليه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أمته ، ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ولو كان خيرا لسبقونا إليه . وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء . فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما . .
{ وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى } أي : كما لا يحمل عليه وزر غيره ، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه . ومن وهذه الآية الكريمة استنبط الشافعي ، رحمه الله ، ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ؛ ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه ، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء ، فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ، ومنصوص من الشارع عليهما .
وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : من ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به " {[27706]} ، فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله ، كما جاء في الحديث : " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه " {[27707]} . والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه ، وقد قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُم } {[27708]} الآية [ يس : 12 ] . والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضا من سعيه وعمله ، وثبت في الصحيح : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا " .
وقوله : ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فإن من قوله : ألاّ تَزِرُ على التأويل الذي تأوّلناه في موضع خفض ردّا على «ما » التي في قوله أمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى يعني بقوله : ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى غيرها ، بل كل آثمة فإنما إثمها عليها . وقد بيّنا تأويل ذلك باختلاف أهل العلم فيه فيما مضى قبل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عُبيد المحاربيّ ، قال : حدثنا أبو مالك الجَنْبي ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي مالك الغفاريّ في قوله : ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاّ ما سَعَى . . . إلى قوله : مِنَ النّذُرِ الأُولى قال : هذا في صحف إبراهيم وموسى .
وإنما عُنِي بقوله : ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الذي ضَمِن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة ، يقول : ألم يُخْبَرْ قائل هذا القول ، وضامن هذا الضمان بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب : أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاّ ما سَعَى يقول جلّ ثناؤه : أوَ لم يُنَبأ أنه لا يُجازى عامل إلاّ بعمله ، خيرا كان ذلك أو شرّا . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاّ ما سَعَى ، وقرأ إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى قال : أعمالكم .
وذُكر عن ابن عباس أنه قال : هذه الاَية منسوخة .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاّ ما سَعَى قال : فأنزل الله بعد هذا وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِم بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّياتِهِمْ فأدخل الأبناء بصلاح الاَباء الجنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.