{ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ } وثم هنا ظرف مكان مختص بالبعيد ، وهو منصوب على الظرفية ، ومفعول الرؤية غير مذكور ، لأن القصد : وإذا صدرت منك - أيها المخاطب رؤية إلى هناك ، أى : إلى الجنة ونعيمها .
. { رَأَيْتَ نَعِيماً } لا يقادر قدره { وَمُلْكاً كَبِيراً } أى : واسعا لا غاية له .
فقوله - سبحانه - { رَأَيْتَ } الثانية ، جواب إذا . والمشار إليه " بِثَمَّ " التى هى بمعنى هناك معلوم من المقام ، لأن المقصود به الجنة التى سبق الحديث عنها فى مثل قوله : { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } أى : وإذا سرحت ببصرك إلى هناك رأيت نعيما وملكا كبيرا .
ثم يجمل السياق خطوط المنظر ، ويلقي عليه نظرة كاملة تلخص وقعه في القلب والنظر :
( وإذا رأيت - ثم - رأيت نعيما وملكا كبيرا ) . .
نعيما وملكا كبيرا . هو الذي يعيش فيه الأبرار المقربون عباد الله هؤلاء ، على وجه الإجمال والعموم ! ثم يخصص مظهرا من مظاهر النعيم والملك الكبير ؛ كأنه تعليل لهذا الوصف وتفسير :
وقوله : إذَا رأيْتَ ثمّ رأيْتَ نَعِيما يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإذا نظرت ببصرك يا محمد ، ورميت بطرفك فيما أعطيتُ هؤلاء الأبرار في الجنة من الكرامة . وعُني بقوله : ثَمّ الجنة رأيْتَ نَعِيما ، وذلك أن أدناهم منزلة من ينظر في مُلكه فيما قيل في مسيرة ألفي عام ، يُرى أقصاه ، كما يرى أدناه .
وقد اختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله لم يذكر مفعول رأيت الأول ، فقال بعض نحويي البصرة : إنما فعل ذلك لأنه يريد رؤية لا تتعدى ، كما تقول : ظننت في الدار ، أخبر بمكان ظنه ، فأخبر بمكان رؤيته . وقال بعض نحويي الكوفة : إنما فعل ذلك لأن معناه : وإذا رأيت ما ثم رأيت نعيما قال : وصلح إضمار ما كما قيل : لقد تقطع بينكم ، يريد : ما بينكم قال : ويقال : إذا رأيت ثم يريد : إذا نظرت ثم ، أي إذا رميت ببصرك هناك رأيت نعيما .
وقوله : مُلْكا كَبِيرا يقول : ورأيت مع النعيم الذي ترى لهم ثَمّ مُلْكا كبيرا . وقيل : إن ذلك الملك الكبير : تسليم الملائكة عليهم ، واستئذانهم عليهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : ثني من سمع مجاهدا يقول : وَإذَا رأيْتَ ثَمّ رأيْتَ نَعِيما وَمُلْكا كَبِيرا قال : تسليم الملائكة .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت سفيان يقول في قوله : مُلْكا كَبِيرا قال : بلغنا أنه تسليم الملائكة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا الأشجعيّ ، في قوله : وَإذَا رأيْتَ ثَمّ رأيْتَ نَعِيما وَمُلْكا كَبِيرا قال : فسّرها سفيان قال : تستأذن الملائكة عليهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَإذَا رأيْتَ ثَمّ رأيْتَ نَعِيما وَمُلْكا كَبِيرا قال استئذان الملائكة عليهم .
ثم كرر ذكر الرؤية مبالغة ، و { ثم } ظرف والعامل فيه { رأيت } أو معناه ؟ وقال الفراء التقدير : { رأيت } ما { ثم } وحذفت ما ، وقرأ حميد الأعرج «ثُم » بضم الثاء ، و «النعيم » : ما هم فيه من حسن عيش ، و «الملك الكبير » قال سفيان : هو استئذان الملائكة وتسليمهم عليهم وتعظيمهم لهم ، فهم في ذلك كالملوك ، وقال أكثر المفسرين : «الملك الكبير » اتساع مواضعهم ، فروي عن عبد الله بن عمر أنه قال : ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف غلام كلهم مختلف شغله من شغل أصحابه ، وأدنى أهل الجنة منزلة من ينظر من ملكه في مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.