الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِذَا رَأَيۡتَ ثَمَّ رَأَيۡتَ نَعِيمٗا وَمُلۡكٗا كَبِيرًا} (20)

قوله : { ثَمَّ } هذا ظرفُ مكانٍ وهو مختصٌّ بالبُعْدِ . وفي انتصابِه هنا وجهان ، أظهرُهما : أنه منصوبٌ على الظرفِ . ومعفولُ الرؤيةِ غيرُ مذكورٍ ؛ لأنَّ القصد : وإذا صَدَرَتْ منك رؤيةٌ في ذلك المكانِ رَأَيْتَ كيتَ وكيتَ ، ف " رَأَيْتَ " الثاني جوابٌ ل " إذا " . وقال الفراء : " ثَمَّ " مفعولٌ به ل " رَأَيْتَ " . وقال الفراء أيضاً : " وإذا رَأَيْتَ تقديره : " ما ثَمَّ " ، ف " ما " مفعولٌ فحُذِفَتْ " ما " وقامت " ثَمَّ " مَقام " ما " . قال الزمخشري تابعا لأبي إسحاق : " ومَنْ قال : معناه " ما ثَمَّ " فقد أخطأ ؛ لأنَّ " ثَمَّ " صلةٌ ل " ما " ، ولا يجوزُ إسقاطُ الموصولِ وتَرْكُ الصلةِ " وفي هذا نظرٌ ؛ لأنَّ الكوفيين يُجَوِّزُون مثلَ هذا ، واستدلُّوا عليه بأبياتٍ وآياتٍ ، تقدَّم الكلامُ عليها مُسْتوفى في أوائل هذا الموضوع .

وقال ابن عطية : " وثَمَّ ظرفٌ . والعاملُ فيه " رَأَيْتَ " أو معناه ، والتقديرُ : رأيتَ ما ثَمَّ ، فحُذِفَتْ ما " . قال الشيخ : " وهو فاسِدٌ ؛ لأنَّه مِنْ حيثُ جَعَلَه معمولاً ل " رَأَيْتَ " لا يكونُ صلةً ل " ما " ؛ لأنَّ العاملَ فيه إذ ذاك محذوفٌ أي : ما استقرَّ ثَمَّ " . قلت : ويمكنُ أَنْ يُجاب عنه : بأنَّ قولَه : " أو معناه " هو القولُ بأنَّه صلةٌ لموصول ، فيكونان وجهَيْن لا وجهاً واحداً ، حتى يَلْزَمَهَ الفسادُ ، ولولا ذلك لكان قولُه : " أو معناه " لا معنى له . ويعني بمعناه أي : معنى الفعلِ مِنْ حيث الجملةُ ، وهو الاستقرارُ المقدَّرُ .

والعامَّةُ على فتحِ الثاءِ مِنْ " ثَمَّ " كما تقدَّم . وقرأ حميد الأعرج بضمِّها على أنَّها العاطَفَةُ ، وتكونُ قد عَطَفَتْ " رأَيْتَ " الثاني على الأول ، ويكون فعلُ الجوابِ محذوفاً ، ويكونُ فعلُ الجوابِ المحذوفِ هو الناصبَ لقولِه : " نعيماً " ، والتقدير : وإذا صَدَرَ منك رؤيةٌ ، ثم صَدَرَتْ رؤيةٌ/ أخرى رَأَيْتَ نعيماً ومُلْكاً . فَرَأَيْتَ هذا هو الجوابُ .

{ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً }