تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَإِذَا رَأَيۡتَ ثَمَّ رَأَيۡتَ نَعِيمٗا وَمُلۡكٗا كَبِيرًا} (20)

قوله :{ وإذا رأيت ثم رأيت } يعني هنالك في الجنة رأيت { نعيما وملكا كبيرا } آية وذلك أن الرجل من أهل الجنة له قصر ، في ذلك القصر سبعون قصرا ، في كل قصر سبعون بيتا ، كل بيت من لؤلؤة مجوفة طولها في السماء فرسخ ، وعرضها فرسخ ، عليها أربعة ألف مصراع من ذهب ، في ذلك البيت سرير منسوج بقضبان الدر والياقوت ، عن يمين السرير ، وعن يساره أربعون ألف كرسي من ذهب قوائمها ياقوت أحمر ، على ذلك السرير سبعون فراشا كل فراش على لون ، وهو جالس فوقها ، وهو متكئ على يساره عليه سبعون حلة من ديباج ، الذي بلى جسده حريرة بيضاء ، وعلى جبهته أكليل مكلل بالزبرجد ، والياقوت ، وألوان الجواهر كل جوهرة على لون .

وعلى رأسه تاج من ذهب فيه سبعون ذؤابة ، في كل ذؤابة درة ، تساوي مال المشرق والمغرب ، وفي يديه ثلاث أسورة ، سوار من ذهب ، وسوار من فضة ، وسوار من لؤلؤ ، وفي أصابع يديه ورجليه خواتيم من ذهب وفضة فيه ألوان الفصوص ، وبين يديه عشرة آلاف غلالا يكبرون ولا يشيبون أبدا ، ويوضع بين يديه مائدة من ياقوتة حمراء ، طولها ميل في ميل ، ويوضع على المائدة سبعون ألف إناء من ذهب وفضة في كل إناء سبعون لونا من الطعام ، يأخذ اللقمة بيديه ، فما يخطر على باله حتى تتحول اللقمة عن حالها التي يشتهيها ، وبين يديه غلمان بأيديهم أكواب من ذهب ، وإناء من فضة معهم الخمر والماء ، فيأكل على قدر أربعين رجلا من الألوان كلها ، كلما شبع من لون من الطعام سقوه شربة مما يشتهى من الأشربة فيتجشى .

فيفتح الله تعالى عليه ألف باب من الشهوة من الشراب ، فيدخل عليه الطير من الأبواب ، كأمثال النجائب فيقومون بين يديه صفا ، فينعت كل نقسه بصوت مطرب لذيذ ألذ من كل غناء في الدنيا ، يقول : يا ولي الله ، كلني إني كنت أرعى في روضة كذا وكذا ، من رياض الجنة ، فيحلون عليه أصواتها ، فيرفع بصره فينظر إليهم ، فينظر إلى أزهاها صوتا ، وأجودها نعتا ، فيشتهيها ، فيعلم الله ما وراء شهوته في قلبه من حبه ، فيجئ الطير فيقع على المائدة بعضه قديد ، وبعضه شواء ، أشد بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل ، فيأكل حتى إذا شبع منها ، واكتفى طارت طيرا كما كانت ، فتخرج من الباب الذي كانت دخلت منه .

فهو على الأرائك وزوجته مستقبلة ، يبصر وجهه في وجهها من الصفاء والبياض ،

كلما أراد أن يجامعها ينظر إليها ، فيستحى أن يدعوها ، فتعلم ما يريد منها زوجها ، فتدنو إليه ، فتقول : بأبي وأمي ، ارفع رأسك فانظر إلي فإنك اليوم لي ، وأنا لك فيجامعها على قوة مائة رجل من الأولين ، وعلى شهوة أربعين رجلا كلما أتاها وجدها عذراء ، لا يغفل عنها مقدار أربعين يوما ، فإذا فرغ وجد ريح المسك منها ، فيزداد حبا لها ، فيها أربعة آلاف وثمان مائة زوجة مثلها لك زوجة سبعون خادما وجارية .

حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، قال : لو أن جارية أو خادما خرجت إلى الدنيا لا قتتل عليها أهل الأرض كلهم ، حتى يتفانوا .

ولو أن الحور العين أرخت ذؤابتها في الأرض لأطفأت الشمس من نورها ، قيل : يا رسول الله ، وكم بين الخادم والمخدوم ؟ قال : والذي نفسي بيده ، إن بين الخادم والمخدوم كالكوكب المضيء إلى جنب القمر في النصف ، قال : فبينما هو جالس على سريره إذ يبعث الله عز وجل إليه مالكا معه سبعون حلة كل حلة على لون واحد ، ومعه التسليم ، والرضا ، فيجئ الملك حتى يقوم على بابه ، فيقول لحاجبه ، ائذن لي على ولي الله ، فإني رسول رب العالمين إليه ، فيقول الحاجب : والله ، ما أملك منه المناجاة ، ولكن سأذكرك إلى من يليني من الحجبة ، فلا يزالون يذكرون بعضهم إلى بعض حتى يأتيه الخبر بعد سبعين بابا ، يقول : يا ولي الله ، إن رسول رب العزة على الباب ، فيأذن له بالدخول عليه ، فيقول : السلام عليك ، يا ولي الله ، إن الله يقرئك السلام ، وهو عنك راض ، فلولا أن الله تعالى لم يقض عليه الموت لمات من الفرح ، فذلك قوله :{ وإذا رأيت ثم رأيت } يا محمد ، ثم يعني هناك رأيت نعيما ، يعني بالنعيم الذي هو فيه وملكا كبيرا حين لا يدخل عليه رسول رب العزة إلا بإذن .