واعلم أنه تعالى لما ذكر تفصيل أحوال أهل الجنة ، أتبعه بما يدل على أن هناك أمورا أعلى وأعظم من هذا القدر المذكور فقال : { وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : { رأيت } هل له مفعول ؟ فيه قولان : ( الأول ) : قال الفراء : المعنى وإذا رأيت ما ثم وصلح إضمار ما كما قال : { لقد تقطع بينكم } يريد ما بينكم ، قال الزجاج : لا يجوز إضمار ما لأن ثم صلة وما موصولها ، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة ( الثاني ) : أنه ليس له مفعول ظاهر ولا مقدر والغرض منه أن يشبع ويعم ، كأنه قيل : وإذا وجدت الرؤية ثم ، ومعناه أن بصر الرائي أينما وقع لم يتعلق إدراكه إلا بنعيم كثير وملك كبير ، و { ثم } في موضع النصب على الظرف يعني في الجنة .
المسألة الثانية : اعلم أن اللذات الدنيوية محصورة في أمور ثلاثة . قضاء الشهوة ، وإمضاء الغضب ، واللذة الخيالية التي يعبر عنها بحب المال والجاه ، وكل ذلك مستحقر فإن الحيوانات الخسيسة قد تشارك الإنسان في واحد منها ، فالملك الكبير الذي ذكره الله هاهنا لا بد وأن يكون مغايرا لتلك اللذات الحقيرة ، وما هو إلا أن تصير نفسه منقشة بقدس الملكوت متحلية بجلال حضرة اللاهوت ، وأما ما هو على أصول المتكلمين ، فالوجه فيه أيضا أنه الثواب والمنفعة المقرونة بالتعظيم فبين تعالى في الآيات المتقدمة تفصيل تلك المنافع وبين في هذه الآية حصول التعظيم وهو أن كل واحد منهم يكون كالملك العظيم ، وأما المفسرون فمنهم من حمل هذا الملك الكبير على أن هناك منافع أزيد مما تقدم ذكره ، قال ابن عباس : لا يقدر واصف يصف حسنه ولا طيبه . ويقال : إن أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام ويرى أقصاه كما يرى أدناه ، وقيل : لا زوال له وقيل : إذا أرادوا شيئا حصل ، ومنهم من حمله على التعظيم . فقال الكلبي : هو أن يأتي الرسول من عند الله بكرامة من الكسوة والطعام والشراب والتحف إلى ولي الله وهو في منزله فيستأذن عليه ، ولا يدخل عليه رسول رب العزة من الملائكة المقربين المطهرين إلا بعد الاستئذان .
المسألة الثالثة : قال بعضهم قوله : { وإذا رأيت } خطاب لمحمد خاصة ، والدليل عليه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن دخلت الجنة أترى عيناي ما ترى عيناك ؟ فقال نعم ، فبكى حتى مات ، وقال آخرون : بل هو خطاب لكل أحد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.