البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَا رَأَيۡتَ ثَمَّ رَأَيۡتَ نَعِيمٗا وَمُلۡكٗا كَبِيرًا} (20)

وجواب { إذا رأيتهم } : { نعيماً } ، ومفعول فعل الشرط محذوف ، حذف اقتصاراً ، والمعنى : وإذا رميت ببصرك هناك ، وثم ظرف العامل فيه رأيت .

وقيل : التقدير : وإذا رأيت ما ثم ، فحذف ما كما حذف في قوله : { لقد تقطع بينكم } أي ما بينكم .

وقال الزجاج ، وتبعه الزمخشري فقال : ومن قال معناه ما ثم فقد أخطأ ، لأن ثم صلة لما ، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة . انتهى .

وليس بخطأ مجمع عليه ، بل قد أجاز ذلك الكوفيون ، وثم شواهد من لسان العرب كقوله :

فمن يهجو رسول الله منكم *** ويمدحه وينصره سواء

أي : ومن يمدحه ، فحذف الموصول وأبقى صلته .

وقال ابن عطية : وثم ظرف العامل فيه رأيت أو معناه ، التقدير : رأيت ما ثم حذفت ما . انتهى .

وهذا فاسد ، لأنه من حيث جعله معمولاً لرأيت لا يكون صلة لما ، لأن العامل فيه إذ ذاك محذوف ، أي ما استقر ثم .

وقرأ الجمهور : ثم بفتح الثاء ؛ وحميد الأعرج : ثم بضم التاء حرف عطف ، وجواب إذا على هذا محذوف ، أي وإذا رميت ببصرك رأيت نعيماً ؛ والملك الكبير قيل : النظر إلى الله تعالى .

وقال السدّي : استئذان الملائكة عليهم .

وقال أكثر المفسرين : الملك الكبير : اتساع مواضعهم .

وقال الكلبي : كبيراً عريضاً يبصر أدناهم منزلة في الجنة مسيرة ألف عام ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، وقاله عبد الله بن عمر ، وقال : ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف غلام ، كلهم مختلف شغله من شغل أصحابه .

وقال الترمذي ، وأظنه الترمذي الحكيم لا أبا عيسى الحافظ صاحب الجامع : هو ملك التكوين والمشيئة ، إذا أراد شيئاً كان قوله تعالى : { لهم ما يشاءون فيها } وقيل غير هذه الأقوال .