ثم بين - سبحانه - سوء مصيره ومصير أتباعه فقال : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار وَبِئْسَ الورد المورود }
ويقدم - كينصر - بمعنى يتقدم مأخوذ من الفعل قدم - بفتح الدال - تقول : قدم الرجل يقدم قدماً وقدوما بمعى : تقدم ، ومنه قادمة الرحل بمعنى مقدمته .
وقوله { فَأَوْرَدَهُمُ } من الإِيراد وهو جعل الشئ واردا إلى المكان - وداخلا فيه .
والورد - بكسر الواو - يطلق على الماء الذى يرد إليه الإِنسان والحيوان للشرب .
والمعنى : يتقدم فرعون قومه يوم القيامة إلى جهنم ، كما كان يتقدمهم فى الكفر فى لدنيا ، فأوردهم النار ، أى : فدخلها وأدخلهم معه فيها .
وعبر بالماضى مع أن ذلك سيكون يوم القيامة لتقحيق الوقوع وتأكده ، وقد صرح القرآن بأنهم سيدخلون النار بمجرد موتهم فقال - تعالى - : { النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب } وقوله وبئس الورد المورود ، أى : وبئس الورد الذى يردونه النار ، لأن الورد - الذى هو النصيب المقدر للإِنسان من الماء - إنما يذهب إليه قاصده لتسكين عطشه ، وإرواء ظمته ، وهؤلاء إنما يذهبون إلى النار التى هى ضد من ذلك .
لما كانوا كذلك فإن السياق يقرر أن فرعون سيقدمهم يوم القيامة ويكونون له تبعا :
وبينما نحن نسمع حكاية عن الماضي ووعدا عن المستقبل ، إذا المشهد ينقلب ، وإذا المستقبل ماض قد وقع ، وإذا فرعون قد قاد قومه إلى النار وانتهى :
أوردهم كما يورد الراعي قطيع الغنم . ألم يكونوا قطيعا يسير بدون تفكير ؟ ألم يتنازلوا عن أخص خصائص الآدمية وهي حرية الإرادة والاختيار ؟ فأوردهم النار . ويا بئساه من ورد لا يروي غلة ، ولا يشفي صدى ، إنما يشوي البطون والقلوب :
وإذا ذلك كله . قيادة ففرعون لهم ، وإيرادهم موردهم . . إذا ذلك كله حكاية تروى ، ويعلق عليها :
القول في تأويل قوله تعالى : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ } .
يقول تعالى ذكره : يقدم فرعون قومه يوم القيامة يقودهم ، فيمضي بهم إلى النار حتى يوردهموها ويصليهم سعيرها . { وَبِئْسَ الوِرْدُ } ، يقول : وبئس الورد الذي يردونه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ } ، قال : فرعون يقدم قومه يوم القيامة يمضي بين أيديهم حتى يهجم بهم على النار .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ } ، يقول : يقود قومه فأوردهم النار .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس قوله : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ } ، يقول : أضلهم فأوردهم النار .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عمن سمع ابن عباس يقول في قوله : { فَأوْرَدَهُمُ النّارَ } ، قال : الورد : الدخول .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ } ، كان ابن عباس يقول : الورد في القرآن أربعة أوراد : في هود قوله : { وَبِئْس الورْدُ المَوْرُود } ، وفي مريم : { وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَاردُها } ، وورد في الأنبياء : { حَصَبُ جَهَنّمُ أنْتُمْ لَهَا وَاردُونَ } ، وورد في مريم أيضا : { وَنَسُوقُ المُجْرمينَ إلى جَهَنّمَ ورْدا } . كان ابن عباس يقول : كل هذا الدخول ، والله ليَرِدنّ جهنم كلّ برّ وفاجر . { ثُمّ نُنَجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّا } .
{ يقدم قومه يوم القيامة } إلى النار كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال يقال قدم بمعنى تقدم . { فأوردهم النار } ذكره بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه ونزل النار لهم منزلة الماء فسمى إتيانها موردا ثم قال : { وبئس الوِرد المورود } أي بئس المورد الذي وردوه فإنه يراد لتبريد الأكباد وتسكين العطش والنار بالضد ، والآية كالدليل على قوله : { وما أمر فرعون برشيد } فإن من كان هذه عاقبته لم يكن في أمره رشد ، أو تفسير له على أن المراد بالرشيد ما يكون مأمون العاقبة حميدها .
جملة { يقدم قومَه } يجوز أن تكون في موضع الحال من { فرعون } [ هود : 97 ] المذكور في الجملة قبلها . ويجوز أن تكون استئنافاً بيانياً .
والإيراد : جعل الشيء وارداً ، أي قاصداً الماء ، والذي يوردهم هو الفارط ، ويقال له : الفَرَط .
والوِرد بكسر الواو : الماء المورود ، وهو فِعْل بمعنى مَفعول ، مثل دبْح . وفي قوله : { فأوردهم النار وبئس الورد المورود } استعارة الإيراد إلى التقدّم بالناس إلى العذاب ، وهي تهكمّية لأن الإيراد يكون لأجل الانتفاع بالسقي وأمّا التقدّم بقومه إلى النار فهو ضد ذلك .
و { يقدُم } مضارع قدَم بفتح الدّال بمعنى تقدّم المتعدي إذا كان متقدّماً غيره .
وإنما جاء { فأوردهم } بصيغة الماضي للتّنْبِيه على تحقيق وقوع ذلك الإيراد وإلاّ فقرينة قوله : { يوم القيامة } تدلّ على أنّه لم يقع في الماضي .
وجملة { وبئس الورد المورود } في موضع الحال والضمير المخصوص بالمدح المحذوف هو الرابط وهو تجريد للاستعارة ، كقوله تعالى : { بئس الشراب } [ الكهف : 29 ] ، لأن الورد المشبه به لا يكون مذموماً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.