قوله تعالى : { قال } إبراهيم { سلام عليك } ، أي : سلمت مني لا أصيبك بمكروه ، وذلك أنه لم يؤمر بقتاله على كفره . وقيل : هذا سلام هجران ومفارقة . وقيل : سلام بر ولطف ، وهو جواب الحليم للسفيه . قال الله تعالى : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } [ الفرقان : 63 ] . قوله تعالى : سأستغفر لك ربي ] ، قيل : إنه لما أعياه أمره ووعده أن يراجع الله فيه ، فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفر له . معناه : سأسأل الله تعالى لك توبة تنال بها المغفرة . { إنه كان بي حفياً } ، براً لطيفاً . قال الكلبي : عالماً يستجيب لي إذا دعوته . قال مجاهد : عودني الإجابة لدعائي .
وجميل المنطق ، حيث قال له : { سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } .
أى : لك منى - يا أبت - السلام الذى لا يخالطه جدال أو أذى ، والوداع الذى أقابل فيه إساءتك إلى بالإحسان إليك . وفضلاً عن ذلك فإنى { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } أى : بارًّا بى ، كثير الإحسان إلى .
يقال : فلان حفى بفلان حفاوة ، إذا بالغ فى إكرامه ، واهتم بشأنه .
وقد وفى إبارهيم بوعده ، حيث استمر على استغفاره لأبيه إلى أن تبين له أنه عدو لله - تعالى - فتبرأ منه كما قال - تعالى - : { وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }
ولم يغضب إبراهيم الحليم . ولم يفقد بره وعطفه وأدبه مع أبيه :
قال : سلام عليك . سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا . وأعتز لكم وما تدعون من دون الله ، وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا .
سلام عليك . . فلا جدال ولا أذى ولا رد للتهديد والوعيد . سأدعو الله أن يغفر لك فلا يعاقبك بالاستمرار في الضلال وتولي الشيطان ، بل يرحمك فيرزقك الهدى . وقد عودني ربي أن يكرمني فيجيب دعائي .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبّيَ إِنّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَأَدْعُو رَبّي عَسَىَ أَلاّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبّي شَقِيّاً } .
يقول تعالى ذكره : قال إبراهيم لأبيه حين توعّده على نصيحته إياه ودعائه إلى الله بالقول السيىء والعقوبة : سلام عليك يا أبت ، يقول : أمنة مني لك أن أعاودك فيما كرهت ، ولدعائك إليّ ما توعدتني عليه بالعقوبة ، ولكني سأسْتَغْفِرُ لَكَ رَبّي يقول : ولكني سأسأل ربي أن يستر عليك ذنوبك بعفوه إياك عن عقوبتك عليها إنّهُ كانَ بِي حَفِيّا يقول : إن ربي عهدته بي لطيفا يجيب دعائي إذا دعوته يقال منه : تحفى بي فلان . وقد بيّنت ذلك بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته هاهنا . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّهُ كانَ بِي حَفيّا يقول : لطيفا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّهُ كانَ بِي حَفِيّا قال : إنه كان بي لطيفا ، فإن الحفيّ : اللطيف .
سلام عليك سلام توديع ومتاركة . وبادرهُ به قبل الكلام الذي أعقبه به إشارة إلى أنه لا يسوءه ذلك الهجر في ذات الله تعالى ومرضاته .
ومن حلم إبراهيم أن كانت متكارته أباه مثوبة بالإحسان في معاملته في آخر لحظة .
والسلام : السلامة . و ( على ) للاستعلاء المجازي وهو التمكن . وهذه كلمة تحية وإكرام ، وتقدمت آنفاً عند قوله { وسلام عليه يوم ولد } [ مريم : 15 ] .
وأظهر حرصه على هداه فقال { سأستغفر لك ربي ، أي أطلب منه لك المغفرة من هذا الكفر ، بأن يهديه الله إلى التوحيد فيغفر له الشرك الماضي ، إذ لم يكن إبراهيم تلقى نهياً من الله عن الاستغفار للمشرك . وهذا ظاهر ما في قوله تعالى : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } [ التوبة : 114 ] . واستغفاره له هو المحكي في قوله تعالى : { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } [ الشعراء : 86 ] .
وجملة { سأستغفر لك ربي } مستأنفة ، وعلامة الاستقبال والفعل المضارع مؤذنان بأنه يكرر الاستغفار في المستقبل .
وجملة إنه كان بي حفيا تعليل لما يتضمنه الوعد بالاستغفار من رجاء المغفرة استجابة لدعوة إبراهيم بأن يوفق الله أبا إبراهيم للتوحيد ونبذِ الإشراك .
والحَفيّ : الشديد البِر والإلطاف . وتقدم في سورة الأعراف ( 187 ) عند قوله : { يسألونك كأنك حفي عنها }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.