قوله تعالى : { والشمس تجري لمستقر لها } أي : إلى مستقر لها ، قيل : إلى انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وقيام الساعة . وقيل : إنها تسير حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ، ثم ترجع فذلك مستقرها ؛ لأنها لا تجاوزها . وقيل : مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف ، ونهاية هبوطها في الشتاء ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : مستقرها تحت العرش .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن اسماعيل ، حدثنا الحميدي ، أنبأنا وكيع عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه عن أبي ذر قال : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل : { والشمس تجري لمستقر لها } قال : مستقرها تحت العرش " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا الحميدي ، أنبأنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس : أتدري أين تذهب ؟قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، فيقال لها : ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها ، فذلك قوله تعالى : { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم } وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس : { والشمس تجري لا مستقر لها } وهي قراءة ابن مسعود ، أي : لا قرار لها ولا وقوف . فهي جارية أبداً
وقوله - تعالى - : { والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا } بيان لدليل آخر على قدرته - تعالى - وهو معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلك : { وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل . . . }
قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله { لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا } أى لحد معين تنتهى إليه . . شبه بمستقر المسافر إذا انتهى من سيره ، والمستقر عليه اسم مكان ، واللام بمعنى إلى . .
ويصح أن يكون اسم زمان ، على أنها تجرى إلى وقت لها لا تتعداه ، وعلى هذا فمستقرها : انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا . .
والمعنى : وآية أخرى لهم على قدرتنا ، وهى أن الشمس تجرى إلى مكان معين لا تتعداه وإلى زمن محدد لا تتجاوزه وهذا المكان وذلك الزمان ، كلاهما لا يعلمه إلا الله - تعالى - .
قال بعض العلماء : قوله - تعالى - : { والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا } أى : والشمس تدور حول نفسها ، وكان المظنون أنها ثابتة فى موضعها الذى تدور فيه حول نفسها . ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة فى مكانها ، وإنما هى تجرى فعلا . . تجدرى فى اتجاه واحد ، فى هذا الفضاء الكونى الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثنى عشر ميلا فى الثانية .
والله ربها الخبير بجريانها وبمصيرها يقول : إنها تجرى لمستقر لها ، هذا المستقر الذى ستنتهى إليه لا يعلمه إلا هو - سبحانه - ولا يعلم موعده سواه .
وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه ، وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك أو تجرى فى الفضاء لا يسندها شئ ، حين نتصور ذلك ، ندرك طرفا من صفة القدرة التى تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم .
وقد ساق القرطبى عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث فقال : وفى صحيح مسلم عن أبى ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله - تعالى - : { والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا } قال مستقرها تحت العرش .
ولفظ البخارى عن أبى ذر قال : " قال النبى صلى الله عليه وسلم لى حين غربت الشمس . " تدرى أين تذهب " ؟ قلت : الله ورسوله أعمل . قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها . فقال لها : ارجعى من حيث جئت . فتطلع من مغربه . فذلك قوله - تعالى : { والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا } " .
واسم الإِشارة فى قوله { وذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم } يعود إلى الجرى المفهوم من " تجرى " .
أى : ذلك الجريان البديع العجيب المقدر الشمس ، تقدير الله - تعالى - العزيز الذى لا يغلبه غالب ، العليم بكل شئ فى هذا الكون علما لا يخفى معه قليل أو كثير من أحوال هذا الكون .
( والشمس تجري لمستقر لها ) . .
والشمس تدور حول نفسها . وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها . ولكن عرف أخيراً أنها ليست مستقرة في مكانها . إنما هي تجري . تجري فعلاً . تجري في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلاً في الثانية ! والله - ربها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها - يقول : إنها تجري لمستقر لها . هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا هو سبحانه . ولا يعلم موعده سواه .
وحين نتصور ان حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه . وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء ، لا يسندها شيء ، ندرك طرفاً من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم :
قوله تعالى : { والشّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَهَا } يقول تعالى ذكره : والشمس تجري لموضع قرارها ، بمعنى : إلى موضع قرارها وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذرّ الغفاريّ ، قال : كنت جالسا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فلما غَرَبت الشمس ، قال : «يا أبا ذَرّ هَلْ تَدْرِي أيْنَ تَذْهَبُ الشّمْسُ ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «فإنها تذهب فتسجد بَينَ يَدَيْ رَبّها ، ثُمّ تَسْتأذِنُ بالرّجُوعِ فَيُؤْذَنُ لَهَا ، وكأنّها قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَتَطْلُعَ مِنْ مَكانِهَا ، وَذلكَ مُسْتَقَرّها » .
وقال بعضهم في ذلك بما : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { والشّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَهَا }قال : وقت واحد لا تعدوه .
وقال آخرون : معنى ذلك : تجري لمجرى لها إلى مقادير مواضعها ، بمعنى : أنها تجري إلى أبعد منازلها في الغروب ، ثم ترجع ولا تجاوزه . قالوا : وذلك أنها لا تزال تتقدّم كل ليلة حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع .
وقوله : ذلكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ يقول : هذا الذي وصفنا من جري الشمس لمستقرّ لها ، تقدير العزيز في انتقامه من أعدائه ، العليم بمصالح خلقه ، وغير ذلك من الأشياء كلها ، لا يخفى عليه خافية .
{ والشمس تجري لمستقر لها } : لحد معين ينتهي إليه دورها ، فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره ، أو لكبد السماء فإن حركتها فيه يوجد فيها بطء بحيث يظن أن لها هناك وقفة قال :
*** والشمس حيرى لها بالجو تدويم ***
أو لاستقرار لها على نهج مخصوص ، أو لمنتهى مقدر لكل يوم من المشارق والمغارب ، فإن لها في دورها ثلاثمائة وستين مشرقا ومغربا ، تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود إليها إلى العام القابل ، أو لمنقطع جريها عند خراب العالم . وقرئ { لا مستقر لها } أي :لا سكون فإنها متحركة دائما و " لامستقر " على أن " لا " بمعنى ليس . { ذلك } الجري على هذا التقدير المتضمن للحكم التي تكل الفطن عن إحصائها . { تقدير العزيز } : الغالب بقدرته على كل مقدور . { العليم } : المحيط علمه بكل معلوم .