قوله تعالى : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم } . وذلك أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجراً إلى الإسلام فقال لهما : قد علمتما أن الله عز وجل قال في التوراة : إني باعث من ولد إسماعيل نبياً اسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى ، ومن لم يؤمن فهو ملعون ، فأسلم سلمة وأبى مهاجر أن يسلم فأنزل الله عز وجل { من يرغب عن ملة إبراهيم } أي يترك دينه وشريعته يقال رغب في الشيء إذا أراده ، ورغب عنه إذا تركه وقوله " من " لفظه استفهام معناه التقريع والتوبيخ يعني : ما يرغب عن ملة إبراهيم .
قوله تعالى : { إلا من سفه نفسه } . قال ابن عباس : من خسر نفسه .
وقال الكلبي : ضل من قبل نفسه ، وقال أبو عبيدة : أهلك نفسه ، وقال ابن كيسان و الزجاج : معناه جهل نفسه . والسفاهة : الجهل وضعف الرأي : وكل سفيه جاهل ، وذلك أن من عبد غير الله فقد جهل نفسه . لأنه لم يعرف أن الله خلقها ، وقد جاء : " من عرف نفسه عرف ربه " وفي الأخبار : " إن الله تعالى أوحى إلى داود اعرف نفسك واعرفني ، فقال : يا رب كيف أعرف نفسي وكيف أعرفك ؟ فأوحى الله تعالى اعرف نفسك بالضعف والعجز والفناء ، واعرفني بالقوة والقدرة والبقاء . وقال الأخفش : معناه سفه في نفسه ، ونفسه على هذا القول نصب بنزع حرف الصفة وقال الفراء : نصب على التفسير ، وكان الأصل سفهت نفسه ، فلما أضاف الفعل إلى صاحبها خرجت النفس المفسرة ليعلم موضع السفه ، كما يقال : ضقت به ذرعاً ، أي ضاق ذرعي به .
قوله تعالى : { ولقد اصطفيناه في الدنيا } . اخترناه في الدنيا .
قوله تعالى : { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } . يعني أي مع الأنبياء في الجنة ، وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين .
ثم عرض القرآن بعد ذلك بالجاحدين والمعاندين الذين تركوا الحق الواضح الذي هو ملة إبراهيم فقال : { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصطفيناه . . . }
قوله تعالى : { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } معناه : لا أحد من الناس يكره ملة إبراهيم وينصرف عنها إلى الشرك بالله ، إلا من امتهن نفسه ، واستخف بها وظلمها بسوء رأيه حيث ترك طريق الحق إلى طريق الضلالة .
يقال رغب في كذا إذا أراده ، ورغب عن كذا إذا كرهه وانصرفت عنه نفسه والملة في الأصل الطريقة ، وغلب إطلاقها على أصول الدين من حيث إن صاحبها يصل عن طريقها إلى دار السلام وسفه نفسه امتهنا واستخف بها .
ثم بين الله - تعالى - منزلة نبيه إبراهيم - عليه السلام - وخطأ من يرغب عن طريقته المثلى فقال تعالى : { وَلَقَدِ اصطفيناه فِي الدنيا وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين } أي : ولقد اخترناه للرسالة وهداية الناس وإرشادهم في الدنيا ، وإنه في الآخرة لمن الصالحين المستقيمين على الطريقة المثلى . فمن يرغب عن ملة من هذا شأنه إلى غيرها من طرق الضلال لا يماثله أحد في سفهه وسوء رأيه .
{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مّلّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا وَإِنّهُ فِي الاَخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ }
يعني تعالى ذكره بقوله : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلّةِ إِبْرَاهِيمَ } وأيّ الناس يزهد في ملة إبراهيم ويتركها رغبة عنها إلى غيرها . وإنما عنى الله بذلك اليهود والنصارى لاختيارهم ما اختاروا من اليهودية والنصرانية على الإسلام لأن ملة إبراهيم هي الحنيفية المسلمة ، كما قال تعالى ذكره : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا وَلَكِنْ كانَ حَنِيفا مُسْلِما } فقال تعالى ذكره لهم : ومن يزهد عن ملة إبراهيم الحنيفية المسلمة إلا من سَفِهَ نَفْسَه . كما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { وَمَنْ يَرْغب عَن مِلّةِ إِبْرَاهِيمَ إلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَه } رغب عن ملته : اليهود والنصارى ، واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله ، وتركوا ملة إبراهيم يعني الإسلام حنيفا ، كذلك بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بملة إبراهيم .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلّةِ إِبْرَاهِيمَ إلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } قال : رغبت اليهود والنصارى عن ملة إبراهيم وابتدعوا اليهودية والنصرانية وليست من الله ، وتركوا ملة إبراهيم الإسلام .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : { إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } إلا من سَفِهتْ نفسُه ، وقد بينا فيما مضى أن معنى السفه : الجهل . فمعنى الكلام : وما يرغب عن ملة إبراهيم الحنيفية إلا سفيهٌ جاهلٌ بموضع حظّ نفسه فيما ينفعها ويضرّها في معادها . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } قال : إلا من أخطأ حظه .
وإنما نصب «النفس » على معنى المفسر ذلك أن السفه في الأصل للنفس ، فلما نقل إلى «مَنْ » نصبت «النفس » بمعنى التفسير ، كما يقال : هو أوسعكم دارا ، فتدخل «الدار » في الكلام على أن السعة فيه لا في الرجل . فكذلك النفس أدخلت ، لأن السفه للنفس لا ل«مَنْ » ولذلك لم يجز أن يقال سفه أخوك ، وإنما جاز أن يفسر بالنفس وهي مضافة إلى معرفة لأنها في تأويل نكرة .
وقال بعض نحويي البصرة : إن قوله : سَفِهَ نَفْسَهُ جرت مجرى «سَفِهَ » إذا كان الفعل غير متعدّ . وإنما عدّاه إلى «نفسه » و«رأيه » وأشباه ذلك مما هو في المعنى نحو سفه ، إذا هو لم يتعدّ . فأما «غبن » و«خسر » فقد يتعدّى إلى غيره ، يقال : غبن خمسين ، وخسر خمسين .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدِ اصطَفَيْنَاهُ فِي الدنْيَا } .
يعني تعال ذكره بقوله : { وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدّنْيَا } ولقد اصطفينا إبراهيم ، والهاء التي في قوله : اصْطَفْيَنَاهُ من ذكر إبراهيم . والاصطفاء : الافتعال من الصفوة ، وكذلك اصطفينا افتعلنا منه ، صيرت تاؤها طاءً لقرب مخرجها من مخرج الصاد .
ويعني بقوله : { اصْطَفَيْنَاهُ } اخترناه واجتبيناه للخُلّة ، ونُصَيّره في الدنيا لمن بعده إماما . وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خالف إبراهيم فيما سنّ لمن بعده فهو لله مخالف ، وإعلام منه خلقه أن من خالف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو لإبراهيم مخالف وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أنه اصطفاه لخُلّته ، وجعله للناس إماما ، وأخبر أن دينه كان الحنيفية المسلمة . ففي ذلك أوضح البيان من الله تعالى ذكره عن أنّ من خالفه فهو لله عدوّ لمخالفته الإمام الذي نصبه الله لعباده .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّهُ فِي الاَخِرَةِ لَمِنَ الصالِحِينَ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : { وَإِنّهُ فِي الاَخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ } وإن إبراهيم في الدار الاَخرة لمن الصالحين . والصالح من بني آدم هو المؤدّي حقوق الله عليه . فأخبر تعالى ذكره عن إبراهيم خليله أنه في الدنيا له صفيّ ، وفي الاَخرة وليّ ، وإنه وارد موارد أوليائه الموفّين بعهده .
{ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } ( 130 )
{ من } استفهام في موضع رفع بالابتداء ، و { يرغب } خبره ، والمعنى يزهد ويربأ بنفسه عنها ، والملة الشريعة والطريقة ، و { سفه } من السفه الذي معناه الرقة والخفة ، واختلف في نصب { نفسه } ، فقال الزجاج : { سفه } بمعنى جهل وعداه بالمعنى( {[1272]} ) ، وقال غيره : { سفه } بمعنى أهلك ، وحكى ثعلب والمبرد أن سفه بكسر الفاء يتعدى كسفه بفتح الفاء وشدها( {[1273]} ) ، وحكي عن أبي الخطاب أنها لغة ، وقال الفراء نصبها على التمييز( {[1274]} ) .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : لأن السفه يتعلق بالنفس والرأي والخلق ، فكأنه ميزها بين هذه ورأوا أن هذا التعريف ليس بمحض لأن الضمير فيه الإبهام الذي في { من } ، فكأن الكلام : إلا من سفه نفساً( {[1275]} ) ، وقال البصريون : لا يجوز التمييز مع هذا التعريف ، وإنما النصب على تقدير حذف «في » ، فلما انحذف حرف الجر قوي الفعل ، وهذا يجري على مذهب سيبويه فيما حكاه من قولهم ضرب فلان الظهر والبطن أي في الظهر والبطن ، وحكى مكي أن التقدير { إلا من سفه } قوله { نفسه } على أن نفسه تأكيد حذف المؤكد وأقيم التوكيد مقامه قياساً على النعت والمنعوت .
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول متحامل( {[1276]} ) ، و «اصطفى » «افتعل » من الصفوة معناه تخير الأصفى ، وأبدلت التاء طاء لتناسبها مع الصاد في الإطباق( {[1277]} ) ، ومعنى هذا الاصطفاء أنه نبأه واتخذه خليلاً ، و { في الآخرة } متعلق باسم فاعل مقدر من الصلاح ، ولا يصلح( {[1278]} ) تعلقه ب { الصالحين } لأن الصلة لا تتقدم الموصول ، هذا على أن تكون الألف واللام بمعنى الذي ، وقال بعضهم : الألف واللام هنا للتعريف ويستقيم الكلام( {[1279]} ) ، وقيل : المعنى أنه من عمل الآخرة { لمن الصالحين } ، فالكلام على حذف مضاف .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلّةِ إِبْرَاهِيمَ}: وأيّ الناس يزهد في ملة إبراهيم ويتركها رغبة عنها إلى غيرها. وإنما عنى الله بذلك اليهود والنصارى لاختيارهم ما اختاروا من اليهودية والنصرانية على الإسلام، لأن ملة إبراهيم هي الحنيفية المسلمة، كما قال تعالى ذكره: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا وَلَكِنْ كانَ حَنِيفا مُسْلِما} فقال تعالى ذكره لهم: ومن يزهد عن ملة إبراهيم الحنيفية المسلمة إلا من سَفِهَ نَفْسَه...عن قتادة قوله: {وَمَنْ يَرْغب عَن مِلّةِ إِبْرَاهِيمَ إلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَه}: رغب عن ملته: اليهود والنصارى، واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله، وتركوا ملة إبراهيم يعني الإسلام حنيفا، كذلك بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بملة إبراهيم...
{إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}: إلا من سَفِهتْ نفسُه، وقد بينا فيما مضى أن معنى السفه: الجهل. فمعنى الكلام: وما يرغب عن ملة إبراهيم الحنيفية إلا سفيهٌ جاهلٌ بموضع حظّ نفسه فيما ينفعها ويضرّها في معادها... {إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}: إلا من أخطأ حظه...
{وَلَقَدِ اصطَفَيْنَاهُ فِي الدنْيَا}: ولقد اصطفينا إبراهيم، والهاء التي في قوله: اصْطَفْيَنَاهُ من ذكر إبراهيم. والاصطفاء: الافتعال من الصفوة... {اصْطَفَيْنَاهُ}: اخترناه واجتبيناه للخُلّة، ونُصَيّره في الدنيا لمن بعده إماما. وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خالف إبراهيم فيما سنّ لمن بعده فهو لله مخالف، وإعلام منه خلقه أن من خالف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو لإبراهيم مخالف وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أنه اصطفاه لخُلّته، وجعله للناس إماما، وأخبر أن دينه كان الحنيفية المسلمة. ففي ذلك أوضح البيان من الله تعالى ذكره عن أنّ من خالفه فهو لله عدوّ لمخالفته الإمام الذي نصبه الله لعباده.
{وَإِنّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصالِحِينَ}: وإن إبراهيم في الدار الاَخرة لمن الصالحين. والصالح من بني آدم هو المؤدّي حقوق الله عليه. فأخبر تعالى ذكره عن إبراهيم خليله أنه في الدنيا له صفيّ، وفي الاَخرة وليّ، وإنه وارد موارد أوليائه الموفّين بعهده.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{إلا من سفه نفسه} بما يعمل من عمل السفه. ويحتمل {إلا من سفه نفسه} أي بنفسه، جهل نفسه، فيضعها في غير موضعها.
{ولقد اصطفيناه في الدنيا} بالنبوة والرسالة والعصمة. ويحتمل ما جزاهم في الدنيا بثناء حسن، لم ينقص من جزائهم في الآخرة.
{وإنه في الآخرة لمن الصالحين} في المنزلة والثواب. ويحتمل {لمن الصالحين} لمن المرسلين أن يكون بشره في الدنيا أنه كان من الصالحين في الآخرة؛ فيكون في ذلك وعد له بصلاح الخاتمة كما وعد محمدا صلى الله عليه وسلم مغفرة ما تقدم من الذنب وما تأخر. وفي ذلك أيضا وعد بصلاح الخاتمة، والله أعلم، فأخبر بما كان بشره...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
{إلا من سفه نفسه}: معناه جهل نفسه، وما فيها من الآيات الدالة على أن لها صانعا ليس كمثله شيء، فيعلم به توحيد الله وصفاته.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أخبر أنه آثر الخليل صلوات الله عليه على البرية، فجعل الدينَ دينَه، والتوحيدَ شِعارَه والمعرفةَ صِفته؛ فمن رَغِبَ عن دينه أو حاد عن سُنَّتِه فالباطل مطرحه، والكفر مهواه؛ إذ ليست الأنوار بجملتها إلا مقتبسة من نوره...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَمَن يَرْغَبُ} إنكار واستبعاد لأن يكون في العقلاء من يرغب عن الحق الواضح الذي هو ملة إبراهيم.
{سَفِهَ نَفْسَهُ} امتهنها واستخف بها. وأصل السفه: الخفة. ومنه زمام سفيه... وذلك أنه إذا رغب عمَّا لا يرغب عنه عاقل قط فقد بالغ في إذالة نفسه وتعجيزها، حيث خالف بها كل نفس عاقبة.
{وَلَقَدِ اصطفيناه} بيان لخطأِ رأي من رغب عن ملته، لأنّ من جمع الكرامة عند الله في الدارين، بأن كان صفوته وخيرته في الدنيا وكان مشهوداً له بالاستقامة على الخير في الآخرة، لم يكن أحد أولى بالرغبة في طريقته منه...
اعلم أن الله تعالى بعد أن ذكر أمر إبراهيم عليه السلام وما أجراه على يده من شرائف شرائعه التي ابتلاه بها، ومن بناء بيته وأمره بحج عباد الله إليه وما جبله الله تعالى عليه من الحرص على مصالح عباده ودعائه بالخير لهم، وغير ذلك من الأمور التي سلف في هذه الآية السالفة عجب الناس فقال: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم} والإيمان بما أتى من شرائعه فكان في ذلك توبيخ اليهود والنصارى ومشركي العرب لأن اليهود إنما يفتخرون به ويوصلون بالوصلة التي بينهم وبينه من نسب إسرائيل، والنصارى فافتخارهم ليس بعيسى وهو منتسب من جانب الأم إلى إسرائيل، وأما قريش فإنهم إنما نالوا كل خير في الجاهلية بالبيت الذي بناه فصاروا لذلك يدعون إلى كتاب الله، وسائر العرب وهم العدنانيون فمرجعهم إلى إسماعيل وهم يفتخرون على القحطانيين بإسماعيل بما أعطاه الله تعالى من النبوة، فرجع عند التحقيق افتخار الكل بإبراهيم عليه السلام،
ولما ثبت أن إبراهيم عليه السلام هو الذي طلب من الله تعالى بعثة هذا الرسول في آخر الزمان وهو الذي تضرع إلى الله تعالى في تحصيل هذا المقصود، فالعجب ممن أعظم مفاخره وفضائله الانتساب إلى إبراهيم عليه السلام، ثم إنه لا يؤمن بالرسول الذي هو دعوة إبراهيم عليه السلام ومطلوبه بالتضرع لا شك أن هذا مما يستحق أن يتعجب منه...
[و] لما حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه تضرع إلى الله تعالى وطلب منه بعثه هذا الرسول ونصرته وتأييده ونشر شريعته، عبر عن هذا المعنى بأنه ملة إبراهيم فلما سلم اليهود والنصارى والعرب كون إبراهيم عليه السلام محقا في مقاله، وجب عليهم الاعتراف بنبوة هذا الشخص الذي هو مطلوب إبراهيم عليه السلام...
[و] لما حكم بسفاهة من رغب عن ملة إبراهيم عليه السلام بين السبب فقال: {ولقد اصطفيناه في الدنيا} والمراد به أنا إذا اخترناه للرسالة من دون سائر الخليقة، وعرفناه الملة التي هي جامعة للتوحيد والعدل والشرائع والإمامة الباقية إلى قيام الساعة ثم أضيف إليه حكم الله تعالى فشرفه الله بهذا اللقب الذي فيه نهاية الجلالة لمن نالها من ملك من ملوك البشر فكيف من نالها من ملك الملوك والشرائع فليحقق كل ذي لب وعقل أن الراغب عن ملته فهو سفيه،
ثم بين أنه في الآخرة عظيم المنزلة ليرغب في مثل طريقته لينال مثل تلك المنزلة... قال الحسن: من الذين يستوجبون الكرامة وحسن الثواب على كرم الله تعالى...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} أي: ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال، حيث خالف طريق من اصطفي في الدنيا للهداية والرشاد، من حَداثة سنّه إلى أن اتخذه الله خليلا وهو في الآخرة من الصالحين السعداء -فترك طريقه هذا ومسلكه وملّته واتبع طُرُقَ الضلالة والغي، فأي سفه أعظم من هذا؟ أم أي ظلم أكبر من هذا؟ كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان التقدير: فمن يرغب في مخالفة من يرسله من هو بهذه الصفة عطف عليه قوله: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم} المستقيم الطريقة، الطاهر الخليقة، الشفيق على ذريته، الباني لهم أعظم المفاخر، المجتهد لهم في جليل المناقب والمآثر {إلا من سفه نفسه} أي امتهنها واحتقرها واستخف بها، أي فعل بها ما أدى إلى ذلك؛ وفي ذلك تعريض بمعاندي أهل الكتاب.
قال الحرالي: والسفاهة خفة الرأي في مقابلة ما يراد منه من المتانة والقوة، وفي نصب النفس إنباء بلحاق السفاهة بكلية ذي النفس، لأن من سفهت نفسُه اختص السفه بها، ومن سفه نفسَه -بالنصب- استغرقت السفاهة ذاته وكليته وكان بدء ذلك وعاديته من جهة نفسه، يفهم ذلك نصبها، وذلك لأن الله عز وجل جعل النفس مبدأ كل شر أبداه في ذات ذي النفس، فإنه تعالى يعطي الخير بواسطة وبغير واسطة، ولا يُحذى الشر إلا بواسطة نفس ليكون في ذلك حجة الله على خلقه؛ وإنما استحق السفاهة من يرغب عن ملة إبراهيم لظهور شاهدها في العقل وعظيم بركتها في التجربة، لأن من ألقى بيده لم يؤاخذ في كل مرتبة من رتب الدنيا والآخرة، فلا عذر لمن رغب عن ذلك، لظهوره في شاهدي العقل والحس اللذين هما أظهر حجج الله على خلقه {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} [الأنعام: 83]...
ولما كان التقدير: فلقد آتيناه من المزايا ما قدّمنا لكم مما لا يعدل عنه ذو مسكة عطف عليه قوله: {ولقد اصطفيناه} فذكره بمظهر العظمة تعظيماً له، فإن العبد يشرف بشرف سيده، وتشريفاً لاصطفائه فإن الصنعة تجل بجلالة مبدعها {في الدنيا} بما ذكرناه من كريم المآثر التي يجمعها إسلامه؛ وهو افتعال من الصفوة وهي ما خلص من اللطيف عن كثيفه ومكدره، وفي صيغة الافتعال من الدلالة على التعمد والقصد ما يزيد فيما أشير إليه من الشرف.
{وإنه في الآخرة لمن الصالحين} وفي هذا أكبر تفخيم لرتبة الصلاح حيث جعله من المتصفين بها، فهو حقيق بالإمامة لعلو رتبته عند الله في الدارين، ففي ذلك أعظم ترغيب في اتباع دينه والاهتداء بهديه، وأشد ذم لمن خالفه؛ وكل ذلك تذكير لأهل الكتاب بما عندهم من العلم بأمر هذا النبي الكريم وما هو سبب له، وإقامة للحجة عليهم، لأن أكثر ذلك معطوف على {اذكروا} قوله:يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي} [البقرة: 122]...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{وَلَقَدِ اصطفيناه فِي الدنيا}... وأصله اتخاذُ صفوة الشيء كما أن أصلَ الاختيارِ اتخاذُ خيرِه...
{وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين} أي من المشهود لهم بالثبات على الاستقامة والخير والصلاح،وإيثارُ الاسمية لما أن انتظامه في زُمرة صالحي أهلِ الآخرة أمرٌ مستمرٌ في الدارين لا أنه يحدُث في الآخرة.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
قال الراغب: وسفه نفسه: أبلغ من جهلها، وذاك أن الجهل ضربان: جهل بسيط، وهو أن لا يكون للإنسان اعتقاد في الشيء. وجهل مركب وهو أن يعتقد في الحق أنه باطل، وفي الباطل أنه حق. والسفه أن يعتقد ذلك ويتحرى بالفعل مقتضى ما اعتقده. فبين تعالى أن من رغب عن ملة إبراهيم، فإن ذلك لِسَفَهِ نفسه، وذلك أعظم مذمة، فهو مبدأ كل نقيصة. وذاك أن من جهل نفسه، جهل أنه مصنوع، وإذا جهل كونه مصنوعا جهل صانعه، وإذا لم يعلم أن له صانعا، فكيف يعرف أمره ونهيه، وما حسّنه وقبّحه؟ ولكون معرفتها ذريعة إلى معرفة الخالق جل ثناؤه، قال: {وفي أنفسكم * أفلا تبصرون} وقال: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم}...
قال الراغب: إن قيل كيف وصفه بالاصطفاء في الدنيا، وبالصلاح في الآخرة، والنظر يقتضي عكس ذلك. فإن الصلاح وصف يرجع إلى الفعل، وذلك يكون في الدنيا. والاصطفاء حال يستحقه العبد بكونه صالحا، فحقه أن يكون في الآخرة؟ قيل: الاصطفاء ضربان، أحدهما كما قلت، والآخر في الدنيا، وهو اختصاص الله بعض العبيد بولايته ونبوته بخصوصية فيه، وهو المعنيّ بقوله: {شاكرا لأنعمه اجتباه}، والصلاح، وإن اعتبر بأحوال الدنيا، فمجازًى به في الآخرة، فبين تعالى أنه مجتبى في الدنيا لما علم الله من حكمته فيه، ومحكوم له في الآخرة، بصلاحه في الدنيا، تنبيها أن الثواب في الآخرة لم يستحقه باصطفائه في الدنيا، وإنما استحقه بصلاحه فيها...
ويجوز أنه عنى بقوله: {في الدنيا} حال بقائه، و {في الآخرة} أي حال وفاته، ويكون الإشارة بصلاحه إلى الثناء الحسن عليه، الذي رغب إلى الله تعالى فيه بقوله:
{واجعل لي لسان صدق في الآخرين} ويجوز أنه لما كان الناس ثلاثة أضرب: ظالم، ومقتصد، وسابق، عبر عن السابق بالصالح، فكل سابق إلى طاعة الله ورحمته صالح...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
موقع هاته الآيات من سوابقها موقع النتيجة بعد الدليل، فإنه لما بين فضائل إبراهيم من قوله: {وإذ ابتلى} [البقرة: 124] إلى هنا علم أن صاحب هاته الفضائل لا يعدل عن دينه والاقتداء به إلا سفيه العقل أفن الرأي، فمقتضى الظاهر أن تعطف على سوابقها بالفاء وإنما عدل من الفاء إلى الواو ليكون مدلول هذه الجملة مستقلاً بنفسه في تكميل التنويه بشأن إبراهيم وفي أن هذا الحكم حقيق بملة إبراهيم من كل جهة لا من خصوص ما حكي عنه في الآيات السالفة وفي التعريض بالذين حادوا عن الدين الذي جاء متضمناً لملة إبراهيم، والدلالة عن التفريع لا تفوت لأن وقوع الجملة بعد سوابقها متضمنة هذا المعنى دليل على أنها نتيجة لما تقدم كما تقول أحسن فلان تدبير المهم وهو رجل حكيم ولا تحتاج إلى أن تقول فهو رجل حكيم...
والاستفهام للإنكار والاستبعاد، واستعماله في الإنكار قد يكون مع جواز إرادة قصد الاستفهام فيكون كناية، وقد يكون مع عدم جواز إرادة معنى الاستفهام فيكون مجازاً في الإنكار ويكون معناه معنى النفي، والأظهر أنه هنا من قبيل الكناية فإن الإعراض عن ملة إبراهيم مع العلم بفضلها ووضوحها أمر منكر مستبعد. ولما كان شأن المنكر المستبعد أن يسأل عن فاعله استعمل الاستفهام في ملزومه وهو الإنكار والاستبعاد على وجه الكناية مع أنه لو سئل عن هذا المعرض لكان السؤال وجيهاً، والاستثناء قرينة عن إرادة النفي واستعمال اللفظ في معنيين كنائيين، أو ترشيح للمعنى الكنائي وهما الإنكار...
والرغبة طلب أمر محبوب، فحق فعلها أن يتعدى بفي وقد يعدى بعن إذا ضمن معنى العدول عن أمر وكثر هذا التضمين في الكلام حتى صار منسياً...
وانتصاب {نفسه} إما على المفعول به أي أهملها واستخفها ولم يبال بإضاعتها دنيا وأخرى ويجوز انتصابه على التمييز المحول عن الفاعل وأصله سَفِهَتْ نفسُه أي خفت وطاشت فحُوِّل الإسنادُ إلى صاحب النفس على طريقة المجاز العقلي للملابسة قصداً للمبالغة وهي أن السفاهة سرت من النفس إلى صاحبها من شدة تمكنها بنفسه حتى صارت صفة لجثمانه، ثم انتصب الفاعل على التمييز تفسيراً لذلك الإبهام في الإسناد المجازي، ولا يعكر عليه مجيء التمييز معرفةً بالإضافة لأن تنكير التمييز أغلبي...
وقد دلت تلك الجمل على اختيار الله إياه فلا جرم أعقبت بعطف هذه الجملة عليها لأنها جامعة لفذلكتها وزائدة بذكر أنه سيكون في الآخرة من الصالحين.
واللام جواب قسم محذوف وفي ذلك اهتمام بتقرير اصطفائه وصلاحه في الآخرة...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
ولقد دعا الله تعالى إلى ملة إبراهيم الناس جميعا من بعده، لأنها إجابة للفطرة، وتنبعث من النفس المستقيمة واتجاه العقل الحكيم، ولقد قال تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه...
وقوله تعالى: {يرغب عن} فيها التجاوز والترك إلى أوهام، ونقيض يرغب عنها: يرغب فيها، فالرغبة فيها إقبال عليها، والرغبة عنها تجاوز عنها، وترك لها.
أولهما –أنه علمها، وكان ينبغي أن يرغب فيها ولكنه تجاوزها وتركها لا عن انصراف مجرد، بل عن قصد وإعراض.
وثانيها –أنه اتجه ورغب في غيرها، ونفى الله تعالى الرغبة عنها إلا ممن سفه...
{إلا من سفه نفسه}، أي جهلها في حمق ورعونة، لأن النفس الإنسانية المستقيمة تتجه إلى الله لما في داخلها من ينبوع الخير الداعي إلى إدراك الحق المستقيم، ولأن كل ما في النفس من عقل مدرك، ويد تبطش وعين تبصر وأذن تسمع ورجل تسير بها كل يدل على الإيمان الحق ويهدي، كما قال في الذين يضلون إذ ينسون خلقهم وكونهم، فيقول: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل... 179} [الأعراف]. فالنفس الإنسانية لو تأملنا خلقها وتكوينها تهدي وترشد إلى الحق، ولقد قال تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون 21 وفي السماء رزقكم وما توعدون 22} [الذاريات]...
والفرق بين جهل النفس، وأن يكون قد سفهها أن الجهل قد يكون عدم علم وعدم اهتداء إلى الحق، وألا يكون عنده أدوات العلم وطرق المعرفة، أما السفه فمعناه أن يجهل وعنده طرق المعرفة، وأسبابها ويتركها حمقا ورعونة، ولقد قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم... 19} [الحشر]
وسفه نفسه، قيل إنها بمعنى سفه بتشديد الفاء بمعنى أوقعها في جهل وسلك بها غير ما تهدي إليه الفطرة...
وإن ملة إبراهيم هي ملة النبيين فقد قال تعالى: {فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين 95} [آل عمران] وقال تعالى في سورة الحج: {وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين... 78} [الحج]...
ومعنى اصطفاه الله تعالى، أي اختاره بعد أن ابتلاه بما صفى نفسه وخلصها لله تعالى، وصار ليس في قلبه موضع لغيره فاختاره من بين خلقه خليلا له، وكان أمة وإماما، وكان أواها حليما رجاعا إلى الله تعالى دائما.
وأكد سبحانه وتعالى أنه في الآخرة لمن الصالحين، ففي الدنيا اصطفاه، فكان معه فيها على الخير المطلق، وقد ابتلى فأحسن البلاء، وكان صفيا وكان وليا، واختص بأن يكون خليلا... وقد أكد سبحانه وتعالى أنه في زمرة الصالحين الذين نالوا رضوان الله بقوله: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} فأكد بإن الدالة على توكيد الخبر، وأكد ب "اللام "في قوله لمن الصالحين، وأكده بتقديم في الآخرة، وذلك التأكيد لأنه من الذين وصلوا إلى أعلى درجات الصلاح...
ما ملة إبراهيم؟ إنها عبادة الله وحده لا شريك له وعشق التكاليف؛ فإبراهيم وفّى كل ما كلفه به الله وزاد عليه.. وقابل الابتلاء بالطاعة الصبر.. فعندما ابتلاه الله بذبح ابنه الوحيد لم يتردد وكان يؤدي التكاليف بعشق ويحاول أن يستبقي المنهج السليم في ذريته.
{ومن يرغب} يعني يعرض ويرفض. ويقال رغب في كذا أي أحبه وأراده. ورغب عن كذا أي صد عنه وأعرض.. والذين يصدون عن ملة إبراهيم ويرفضونها هؤلاء هم السفهاء والجهلة، لذلك قال عنهم الله سبحانه وتعالى: {إلا من سفه نفسه}.. دليل على ضعف الرأي وعدم التفرقة بين النافع والضار..إذن الذي يعرض عن ملة إبراهيم هو سفيه لا يملك عقلا يميز بين الضار والنافع.
{ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين}.. اصطفاه في الدنيا بالمنهج وبأن جعله إماما وبالابتلاء.. وكثير من الناس يظن أن ارتفاع مقامات بعضهم في أمور الدنيا هو اصطفاء من الله لهم بأن أعطاهم زخرف الحياة الدنيا ويكون هذا مبررا لأن يعتقدوا أن لهم منزلة عالية في الآخرة.. نقول لا، فمنازل الدنيا لا علاقة لها بالآخرة. ولذلك قال الله تبارك وتعالى: {ولقد اصطفيناه في الدنيا}.. وأضاف: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين}.. لنعلم أن إبراهيم عليه السلام له منزلة عالية في الدنيا ونعيم في الآخرة أي الاثنين معا.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الآيات السابقة ألقت الضوء على جوانب من شخصية إبراهيم (عليه السلام)، فتحدثت عن بعض خدماته وطلباته الشاملة للجوانب المادية والمعنوية. من مجموع ما مرّ نفهم أن الله سبحانه شاء أن يكون هذا النّبي، شيخ الموحدين وقدوة الرساليين على مرّ العصور. لذلك تقول الآية الأولى من آيات بحثنا هذا: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}؟!
أليس من السفاهة أن يعرض الإنسان عن مدرسة الطهر والنقاء والفطرة والعقل وسعادة الدنيا والآخرة، ويتجه إلى طريق الشرك والكفر والفساد وضياع العقل والانحراف عن الفطرة وفقدان الدين والدنيا؟!...