المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ} (15)

15- من كان يطلب الحياة الدنيا ، والتَّمتع بلذاتها وزينتها ، نعطهم ثمرات أعمالهم وافية لا ينقص منها شيء .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ} (15)

قوله تعالى : { من كان يريد الحياة الدنيا } ، أي : من كان يريد بعمله الحياة الدنيا ، { وزينتها } ، نزلت في كل من عمل عملا يريد به غير الله عز وجل { نوف إليهم أعمالهم فيها } ، أي : نوف لهم أجور أعمالهم في الدنيا بسعة الرزق ودفع المكاره وما أشبهها . { وهم فيها لا يبخسون } ، أي : في الدنيا لا ينقص حظهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ} (15)

ثم بين - سبحانه - سوء مصير الذين لا يريدون بأقوالهم وأعمالهم وجه الله - تعالى - فقال :

{ مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا . . . }

أى : من كان يريد بأقواله الحسنة وبأعماله الطيبة على حسب الظاهر ، الحصول على ( الحياة الدنيا وزينتها ) من مال وجاه ومنصب وغير ذلك من المتع الدنيوية ، بدون التفات إلى ما يقربه من ثواب الآخرة .

من كان يريدون ذلك { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } أى : نوصل إليهم - بإرادتنا ومشيئتنا - ثمار جهودهم وأعمالهم فى هذه الدنيا .

والتعبير بكان فى قوله { مَن كَانَ يُرِيدُ . . . } يفيد أنهم مستمرون على إرادة الدنيا بأعمالهم ، بدون تطلع إلى خير الآخرة .

وعدى الفعل { نوف } بإلى ، مع أنه يتعدى بنفسه ، لتضمينه معنى نوصل .

وقوله - سبحانه - { وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } تذييل قصد به تأكيد ما سبقه ، وتبيين مظهر من مظاهر عدل الله - تعالى - مع عباده فى دنياهم .

والبخس : نقص الحق ظلما . يقال : بخس فلان فلانا حقه إذا ظلمه ونقصه .

أى : وهم فى هذه الدنيا لا ينقصون شيئا من نتائج جهودهم وأعمالهم ، حتى ولو كانت جهودا لا إخلاص معها ولا إيمان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } .

يقول تعالى ذكره : مَنْ كانَ يُرِيدُ بعمله الحَياةَ الدّنْيا وأثاثها وَزِينَتَها يطلب به ، نوَفّ إلَيْهِمْ أجور أعْمَالَهُمْ فِيها وثوابها . وَهُمْ فِيها يقول : وهم في الدنيا لا يُبْخَسُونَ يقول : لا يُنقصون أجرها ، ولكنهم يُوَفّونه فيها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وَزِينَتَها . . . الآية ، وهي ما يعطيهم الله من الدنيا بحسناتهم وذلك أنهم لا يظلمون نقيرا ، يقول : من عمل صالحا التماس الدنيا صوما أو صلاة أو تهجدا بالليل لا يعمله إلا لالتماس الدنيا يقول الله : أُوَفّيه الذي التمس في الدنيا من المثابة ، وحبط عمله الذي كان يعمل التماس الدنيا ، وهو في الاَخرة من الخاسرين .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وزَينَتَها نُوفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها قال : ثواب ما عملوا في الدنيا من خير أعطوه في الدنيا ، وَلَيْس لهُمْ في الاَخِرِةِ إلاّ النّارُ وحَبِط ما صَنُعوا فِيها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير ، قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وزَينَتَها نُوفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها قال : وربما عملوا من خير أعطوه في الدنيا ، ولَيْسَ لَهُمْ في الاَخِرِةِ إلاّ النّارُ وحَبِط ما صنَعُوا فِيها قال : هي مثل الآية التي في الروم : وما أتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ في أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْد اللّهِ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وزَينَتَها قال : من عمل للدنيا وُفّيَهُ في الدنيا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وزَينَتَها قال : من عمل عملاً مما أمر الله به من صلاة أو صدقة لا يريد بها وجه الله أعطاه الله في الدنيا ثواب ذلك مثل ما أنفق فذلك قوله : نُوفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها في الدنيا ، وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أجر ما عملوا فيها ، أولَئِكَ الّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الاَخِرَةِ إلاّ النّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها . . . الآية .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عيسى ، يعني ابن ميمون ، عن مجاهد ، في قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وزَينَتَها قال : ممن لا يقبل منه جُوزي به يُعطي ثوابه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن عيسى الجرشي ، عن مجاهد : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وزَينَتَها نُوفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها قال : ممن لا يقبل منه يعجل له في الدنيا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وزَينَتَها نُوفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أي لا يظلمون . يقول : من كانت الدنيا همه وسَدَمه وطلبته ونيته ، جازاه الله بحسناته في الدنيا ، ثم يُفْضِي إلى الاَخرة وليس له حسنة يُعْطَي بها جزاء . وأما المؤمن فيجازي بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الاَخرة . وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ : أي في الاَخرة لا يظلمون .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق جميعا ، عن معمر ، عن قتادة : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وزَينَتَها نُوفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها . . . . الآية ، قال : من كان إنما همته الدنيا إياها يطلب أعطاه الله مالاً وأعطاه فيها ما يعيش ، وكان ذلك قصاصا له بعمله . وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ قال : لا يظلمون .

قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ليث بن أبي سلم ، عن محمد بن كعب الُقَرِظيّ : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ أحْسَنَ مِنْ مُحْسِنٍ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُهُ على اللّهِ فِي عاجِلِ الدّنْيا وآجِلِ الاَخِرَةِ » .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وزَينَتَها نُوفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها . . . . الآية ، يقول : من عمل عملاً صالحا في غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي على ذلك أجرا في الدنيا يصل رحما ، يعطي سائلاً ، يرحم مضطرّا في نحو هذا من أعمال البرّ يعجل الله له ثواب عمله في الدنيا ، ويوسع عليه في المعيشة والرزق ، ويقرّ عينه فيما خوّله ، ويدفع عنه من مكاره الدنيا في نحو هذا ، وليس له في الاَخرة من نصيب .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا حفص بن عمرو أبو عمر الضرير ، قال : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن أنس في قوله : نُوفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ قال : هي في اليهود والنصارى .

قال : حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن أبي رجاء الأزدي ، عن الحسن : نُوفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها قال : طيباتهم .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن وهب أنه بلغه أن مجاهدا كان يقول في هذه الآية : هم أهل الرياء ، هم أهل الرياء .

قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن حيوة بن شريح ، قال : ثنى الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان ، أن عقبة بن مسلم حدثه ، أن شُفي بن ماتع الأصبحي حدثه : أنه دخل المدينة ، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس ، فقال من هذا ؟ فقالوا أبو هريرة . فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدّث الناس ، فلما سكت وخَلا قلت : أنشدك بحقّ وبحقّ لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته قال : فقال أبو هريرة : أفعل ، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نشغ نشغة ، ثم أفاق ، فقال : لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ما فيه أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ، ثم مال خارّا على وجهه ، واشتدّ به طويلاً ، ثم أفاق ، فقال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة نزل إلى أهل القيامة ليقضي بينهم وكل أمة جاثية ، فأوّل من يدعى به رجل جمع القرآن ، ورجل قتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال ، فيقول الله للقارىء : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى يا ربّ قال : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم آناء الليل وآناء النهار . فيقول الله له : كذبت وتقول له الملائكة : كذبت ويقول الله له : بل أردت أن يقال : فلان قارىء فقد قيل ذلك . ويؤتي بصاحب المال فيقول الله له : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى يا ربّ قال : فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال : كنت أصل الرحم وأتصدّق . فيقول الله له : كذبت وتقول الملائكة : كذبت ويقول الله له : بل أردت أن يقال : فلان جواد ، فقد قيل ذلك . ويؤتى بالذي قُتل في سبيل الله ، فيقال له : فبماذا قتلت ؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك ، فقاتلت حتى قتلت . فيقول الله له : كذبت وتقول له الملائكة : كذبت ويقول الله له : بل أردت أن يقال : فلان جريء ، وقد قيل ذلك » . ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي ، فقال : «يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أوّل خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة » .

قال الوليد أبو عثمان : فأخبرني عقبة أن شفيّا هو الذي دخل على معاوية ، فأخبره بهذا .

قال أبو عثمان : وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيافا لمعاوية ، قال : فدخل عليه رجل فحدثه بهذا عن أبي هريرة ، فقال أبو هريرة وقد فعل بهؤلاء هذا ، فكيف بمن بقي من الناس ؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا حتى ظننا أنه هلك ، وقلنا : قد جاءنا هذا الرجل شرّ . ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه فقال : صدق الله ورسوله مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وزَينَتَها نُوفّ إلَيْهِمْ أعْمالَهُمْ فِيها وقرأ إلى : وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن عيسى بن ميمون ، عن مجاهد : مَنْ كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدّنْيا وزَينَتَها . . . الآية ، قال : ممن لا يتقبل منه ، يصوم ويصلي يريد به الدنيا ، ويدفع عنه وهم الاَخرة . وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ لا ينقصون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ} (15)

{ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها } بإحسانه وبره . { نُوفّ إليهم أعمالهم فيها } نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدنيا من الصحة والرئاسة وسعة الزرق وكثرة الأولاد . وقرئ " يوف " بالياء أي يوف الله و " نوف " على البناء للمعفول و " نوف " بالتخفيف والرفع لأن الشرط ماض كقوله :

وإن أتاه كريم يوم مسغبةٍ *** يقول لا غائب مالي ولا حرمُ

{ وهم فيها لا يُبخسون } لا ينقصون شيئا من أجورهم . والآية في أهل الرياء . وقيل في المنافقين . وقيل في الكفرة وغرضهم وبرهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ} (15)

وقوله تعالى : { من كان يريد الحياة الدنيا } الآية ، قالت فرقة : ظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الكفرة : هذا قول قتادة والضحاك{[6273]} ، وقال مجاهد : هي في الكفرة وفي أهل الرياء من المؤمنين : وإلى هذا ذهب معاوية حين حدثه سيافه ُشِفي بن ماتع الأصبحي{[6274]} عن أبي هريرة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل المتصدق والمجاهد المقتول والقائم بالقرآن ليله ونهاره وكل ذلك رياء ، «إنهم أول من تسعر به النار يوم القيامة » فلما حدثه شفي بهذا الحديث ، بكى معاوية وقال : صدق الله ورسوله : وتلا : { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها } الآية ، إلى قوله : { وباطل ما كانوا يعملون }{[6275]} .

فأما من ذهب إلى أنها في الكفرة فمعنى قوله { يريد } يقصد ويعتمد ، أي هي وجهه ومقصده لا مقصد له غيرها . فالمعنى : من كان يريد بأعماله الدنيا فقط إذ لا يعتقد آخرة ، فإن الله يجازيه على حسن أعماله - في الدنيا - بالنعم والحواس وغير ذلك : فمنهم مضيق عليه ومنهم موسع له ، ثم حكم عليهم بأنهم لا يحصل لهم يوم القيامة إلا بالنار ولا تكون لهم حال سواها .

قال القاضي أبو محمد : فاستقام هذا المعنى على لفظ الآية . وهو عندي أرجح التأويلات - بحسب تقدم ذكر الكفار المناقضين في القرآن - فإنما قصد بهذه الآية { أولئك }{[6276]} .

وأما من ذهب إلى أنها في العصاة من المؤمنين فمعنى { يريد } عنده يحب ويؤثر ويفضل ويقصد ، وإن كان له مقصداً آخر بإيمانه فإن الله يجازيه على تلك الأعمال الحسان التي لم يعملها لله بالنعم في الدنيا ، ثم يأتي قوله : { ليس لهم } بمعنى ليس يجب لهم أو يحق لهم إلا النار ، وجائز أن يتغمدهم الله برحمته ، وهذا ظاهر ألفاظ ابن عباس وسعيد بن جبير{[6277]} .

وقال أنس بن مالك : هي في أهل الكتاب .

قال القاضي أبو محمد : ومعنى هذا أن أهل الكتاب الكفرة يدخلون في هذه الآية ، لا أنها ليست في غيرهم .

وقرأ جمهور الناس : : نوف «بنون العظمة ؛ وقرأ طلحة{[6278]} وميمون بن مهران » يوف «بياء الغائب{[6279]} .

و { يبخسون } معناه : يعطون أقل من ثوابهم .


[6273]:- قال القرطبي: "واختاره النحاس، بدليل الآية التي بعدها {أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار}، فمن أتى منهم بصلة رحم أو صدقة نكافئه بها في الدنيا بصحة وكثرة الرزق، لكن لا حسنة له في الآخرة".
[6274]:-شُفي بن ماتع هذا كان سيافا لمعاوية، ومات سنة 105هـ.
[6275]:- الحديث رواه مسلم بمعناه، والترمذي أيضا، وهو في ابن جرير، وفيه أن أبا هريرة قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة نزل إلى أهل القيامة ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يُدعى به رجل جمع القرآن، ورجل قُتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ، ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما عُلّمت؟ قال: كنت أقوم آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له، كذبت، وتقول الملائكة: كذبت: ويقول الله له: بل أردت أن يقال: "فلان قارئ" فقد قيل ذلك. ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال: "فلان جواد"، فقد قيل ذلك. ويُؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقال له: في ماذا قُتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال: "فلان جريء"، وقد قيل ذلك ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعّر لهم النار يوم القيامة).
[6276]:- ولقوله تعالى بعد ذلك: {أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار} كما سبق أن ذكرنا.
[6277]:- وهذا الرأي يلتقي مع قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فالمرء إنما يعطى على وجه قصده، وبحكم ضميره ونيته.
[6278]:- هو طلحة بن ميمون كما ذكر ذلك في البحر، وإلا فهناك طلحة بن مصرف مثلا، وغيره.
[6279]:-في إعراب هذه الآية: {من كان يريد..} إلخ ذكر عن الفراء أن (كان) زائدة ولهذا جزم الجواب وهو [نوف]، قال أبو حيان: "ولعله لا يصح، إذ لو كانت زائدة لكان (يريد) هو فعل الشرط، وكان يكون مجزوما". وهذا التركيب من مجيء فعل الشرط ماضيا والجواب مضارعا ليس مخصوصا بكان، بل هو جائز في غيرها، كما روي في بيت زهير بن أبي سلمى: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أن يرقى السماء بسلّم