الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ} (15)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه في قوله { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها } قال : نزلت في اليهود والنصارى .

وأخرج ابن جرير ابن أبي حاتم عن عبد الله بن معبد رضي الله عنه قال : قام رجل إلى علي رضي الله عنه فقال : أخبرنا عن هذه الآية { من كان يريد الحياة الدنيا } إلى قوله { وباطل ما كانوا يعملون } قال : ويحك . . . ! ذاك من كان يريد الدنيا لا يريد الآخرة .

وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما { من كان يريد الحياة الدنيا } أي ثوابها { وزينتها } مالها { نوف إليهم } نوفر لهم ثواب أعمالهم بالصحة والسرور في الأهل والمال والولد { وهم فيها لا يبخسون } لا ينقضون ثم نسخها { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء } [ الإِسراء : 18 ] الآية .

وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه . مثله .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : من عمل صالحاً التماس الدنيا صوماً أو صلاة أو تهجداً بالليل لا يعمله إلا لالتماس الدنيا ، يقول الله : أو فيه الذي التمس في الدنيا من المثابة وحبط عمله الذي كان يعمل ، وهو في الآخرة من الخاسرين .

وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { من كان يريد الحياة الدنيا } قال : هو الرجل يعمل العمل للدنيا لا يريد به الله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في الآية قال : نزلت في أهل الشرك .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال : هم أهل الرياء .

وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أول من يدعى يوم القيامة رجل جمع القرآن يقول الله تعالى له : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ فيقول : بلى يا رب . فيقول : فماذا عملت فيما علمتك ؟ فيقول : يا رب كنت أقوم به الليل والنهار . فيقول الله له : كذبت . وتقول الملائكة : كذبت ، بل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ، اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء ، ثم يدعى صاحب المال فيقول الله : عبدي ألم أنعم عليك ، ألم أوسع عليك ، فيقول : بلى يا رب . فيقول : فماذا عملت فيما آتيتك ؟ فيقول : يا رب كنت أصل الأرحام ، وأتصدق وأفعل . فيقول الله له : كذبت ، بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذلك ، اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء . ويدعى المقتول فيقول الله له : عبدي فيم قتلت ؟ فيقول : يا رب فيك وفي سبيلك . فيقول الله له : كذبت وتقول الملائكة : كذبت ، بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ، اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولئك الثلاثة شر خلق الله يسعر بهم النار يوم القيامة . فحدث معاوية بهذا إلى قوله { وباطل ما كانوا يعملون } » .

وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا كان يوم القيامة صارت أمتي ثلاثة فرق . فرقة يعبدون الله خالصاً : وفرقة يعبدون الله رياء ، وفرقة يعبدون الله يصيبون به دنيا ، فيقول للذي كان يعبد الله للدنيا : بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي ؟ فيقول : الدنيا . فيقول : لا جرم لا ينفعك ما جمعت ولا ترجع إليه انطلقوا به إلى النار ، ويقول للذي يعبد الله رياء : بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي ؟ قال : الرياء . فيقول : إنما كانت عبادتك التي كنت ترائي بها لا يصعد إليّ منها شيء ولا ينفعك اليوم ، انطلقوا به إلى النار ، ويقول للذي يعبد الله خالصاً : بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي ؟ فيقول : بعزتك وجلالك لأنت أعلم به مني كنت أعبدك لوجهك ولدارك . قال : صدق عبدي انطلقوا به إلى الجنة » .

وأخرج البيهقي في الشعب عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يؤتى يوم القيامة بناس بين الناس إلى الجنة ، حتى إذا دنوا منها استنشقوا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها فيقولون : يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من الثواب وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون . قال : ذاك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظيم ، وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين ولم تجلوني ، وتركتم للناس ولم تتركوا إلي ، فاليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرمتم من الثواب » .

وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون } قال : يؤتون ثواب ما عملوا في الدنيا وليس لهم في الآخرة من شيء وقال : هي مثل الآية التي في الروم { وما آتيتم من رباً ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله } [ الروم : 39 ] .

وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها . . . } الآية . يقول : من كانت الدنيا همه وسدمه وطلبته ونيته وحاجته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة ليس له فيها حسنة ، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة { وهم فيها لا يبخسون } أي لا يظلمون .

وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه { من كان يريد الحياة الدنيا } قال : من عمل للدنيا لا يريد به الله وفاه الله ذلك العمل في الدنيا أجر ما عمل ، فذلك قوله { نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون } أي لا ينقصون ، أي يعطوا منها أجر ما عملوا .

وأخرج أبو الشيخ عن ميمون بن مهران رضي الله عنه قال : من كان يريد أن يعلم ما منزلته عند الله فلينظر في عمله فإنه قادم على عمله كائناً ما كان ، ولا عمل مؤمن ولا كافر من عمل صالح إلا جاء الله به ، فأما المؤمن فيجزيه به في الدنيا والآخرة بما شاء ، وأما الكافر فيجزيه في الدنيا ثم تلا هذه الآية { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها } .

وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله { نوف إليهم أعمالهم } قال : طيباتهم .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج { نوف إليهم أعمالهم فيها } قال : نعجل لهم فيها كل طيبة لهم فيها وهم لا يظلمون بما لم يعجلوا من طيباتهم ، لم يظلمهم لأنهم لم يعملوا إلا للدنيا .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { نوف إليهم أعمالهم فيها } قال : تعجل لمن لا يقبل منه .