الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ} (15)

وقوله سبحانه : { مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا } [ هود : 15 ] .

قال قتادةُ وغيره : هي في الكَفَرة ، وقال مجاهد : هي في الكفرة وأهْلِ الرياءِ من المؤمنين . وإليه ذهب معاويَةُ ، والتأويل الأول أَرْجَحُ ؛ بحسب تقدُّمِ ذكْرِ الكفَّار .

وقال ابنُ العربيِّ في «أحكامِه » : بل الآية عامَّة في كلِّ من ينوي غيْرَ اللَّهِ بِعَمَلِه ، كان معه إيمان أو لم يكُنْ ، وفي هذه الآية بيانٌ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الأَعمْالُ بِالنِّيَّاتِ وإِنَّما لِكُلِّ امرىء مَا نَوَى ) ، وذلك أنَّ العبد لا يُعْطَى إِلا عَلَى وَجْهٍ قَصدَهُ ، وبحُكْم ما ينعقدُ في ضَمِيرِهِ ، وهذا أمرٌ مُتَّفَقٌ عليه .

وقوله : { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } : قيل : ذلك في صحَّة أبدانهم وإِدرَارِ أرزَاقهم ، وقيل : إِن هذه الآية مطْلَقةٌ ، وكذلك التي في «حم عسق » : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } [ الشورى : 20 ] الآية إِلى آخرها ، قيَّدتْهما وفسَّرتْهما الآيةُ التي في «سورة سُبْحانَ » ، وهي قوله تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ . . . } الآية [ الإِسراء : 18 ] ، فأخبر سبحانه أَنَّ العبدِ ينوي ويريدُ ، واللَّه يحكُمُ ما يريدُ ، ثم ذكر ابنُ العربيِّ الحديثَ الصحيحَ في النَّفَرِ الثلاثة الذين كَانَتْ أعمالهم رياءً ، وهم رَجُلٌ جمع القرآن ، ورجلٌ قُتِلَ في سبيل اللَّه ، ورَجُلٌ كثيرُ المالِ ، وقولَ اللَّهِ لكلِّ واحدٍ منهم : «مَاذَا عَمِلْتَ ؟ » ثم قال في آخر الحديث : ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُكْبَتَيَّ ، وَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، ( أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ )