{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } بعد المبعث ، إذ روي أنه بعث على رأس الأربعين ودعا قوما تسعمائة وخمسين وعاش بعد الطوفان ستين ، ولعل اختيار هذه العبارة للدلالة على كمال العدد فإن تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه ولما في ذكر الألف من تخييل طول المدة إلى السامع ، فإن المقصود من القصة تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيته على ما يكابده من الكفرة واختلاف المميزين لما في التكرير من البشاعة . { فأخذهم الطوفان } طوفان الماء وهو لما طاف بكثرة من سيل أو ظلام أو نحوهما . { وهم ظالمون } بالكفر .
وقوله تعالى : { ولقد أرسلنا نوحاً } الآية قصة فيها تسلية لمحمد عليه السلام عما تضمنته الآية قبلها من تعنت قومه وفتنتهم للمؤمنين وغير ذلك ، وفيها وعيد لهم بتمثيل أمرهم بأمر قوم نوح ، والواو في قوله { ولقد } عاطفة جملة كلام على جملة ، والقسم فيها بعيد{[9223]} ، وقوله تعالى : { أرسلنا } ، { فلبث } ، هذا العطف بالفاء يقتضي ظاهره أنه لبث هذه المدة رسولاً يدعو ، وقد يحتمل أن تكون المدة المذكورة مدة أقامته في قومه من لدن مولده إلى غرق قومه{[9224]} ، وأما على التأويل الأول فاختلف في سنيه التي بعث عندها ، فقيل أربعون ، وقيل ثمانون ، وقال عون بن أبي شداد{[9225]} : ثلاثمائة وخمسون ، وكذلك يحتمل أن تكون وفاته عليه السلام عند غرق قومه بعد ذلك بيسير .
وقد روي أنه عمر بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين عاماً وأنه عاش ألف سنة وستمائة وخمسين سنة{[9226]} ، وقوله تعالى : { فأخذهم الطوفان } يقتضي أنه أخذ قومه فقط ، وقد اختلف في ذلك فقالت فرقة : إنما غرق في الطوفان طائفة من الأرض وهي المختصة بقوم نوح ، وقالت فرقة : هي الجمهور : إنما غرقت المعمورة كلها .
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو ظاهر الأمر لاتخاذه السفينة ولبعثه الطير يرتاد زوال الماء ولغير ذلك من الدلائل ، وبقي أن يعترض هذا بأن يقال كيف غرق الجميع والرسالة إلى البعض ، فالوجه في ذلك أن يقال : إن اختصاص نبي بأمة ليس هو بأن لا يهدي غيرها ولا يدعوها إلى توحيد الله تعالى ، وإنما هو بأن لا يؤخذ بقتال غيرها ولا ببث العبادات فيهم ، لكن إذا كانت نبوة قائمة هذه المدة الطويلة والناس حولها يعبدون الأوثان ولم يكن الناس يومئذ كثيراً بحكم القرب من آدم فلا محالة أن دعاءه إلى توحيد الله كان قد بلغ الكل فنالهم الغرق لإعراضهم وتماديهم ، و { الطوفان } العظيم الطامي ، ويقال ذلك لكل طام خرج عن العادة من ماء أو نار أو موت ومنه قول الشاعر :
فجاءهم طوفان موت جارف . {[9227]} . . و «طوفان » وزنه فعلان بناء مبالغة من طاف يطوف إذا عم من كل جهة ، ولكنه كثر استعماله في الماء خاصة وقوله تعالى : { وهم ظالمون } ، يريد بالشرك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.