{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه } وعمره أربعون سنة أو أكثر ، وبينه وبين آدم{[1353]} ألف سنة : أجمل سبحانه قصة نوح تصديقا لقوله في أول السورة { ولقد فتنا الذين من قبلهم } { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } فيه تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم كأنه قيل له : إن نوحا لبث هذه المدة الكثيرة يدعو قومه ولم يؤمن منهم إلا قليل ، فصبر وما ضجر ، فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك ، وكثرة عدد أمتك ، قيل : ووقع في النظم :
{ إلا خمسين عاما } ولم يقل تسعمائة سنة وخمسين سنة ، لأن في الاستثناء تحقيق العدد بخلاف الثاني فقد يطلق على ما يقرب منه وذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض . وجيء بالمميز أولا بالسنة ، ثم بالعام ، لأن تكرار لفظ واحد في كلام واحد حقيق بالاجتناب في البلاغة ، ثم إنه خص لفظ العام بالخمسين إيذانا بأن نبي الله لما استراح منهم بقي في زمن حسن ، والعرب تعبر عن الخصب بالعام ، وعن الجدب بالسنة .
وقد اختلف في مقدار عمر نوح عليه السلام ، وليس في الآية إلا أنه لبث فيهم هذه المدة ، وهي لا تدل على أنها جميع عمره ، فقد تلبث في غيرهم قبل اللبث فيهم ، وقد تلبث في الأرض من بعد هلاكهم بالطوفان ، فقال ابن عباس : بعث الله نوحا وهو ابن أربعين سنة ، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله وعاش بعد الطوفان ستين سنة كثر الناس ، وفشوا .
وعن عكرمة قال : كان عمر نوح قبل أن يبعث إلى قومه ، وبعد ما بعث ألفا وسبعمائة سنة ، وعن عوف بن شداد قال : إن الله أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين سنة وثلثمائة سنة ، فلبث فيهم ألف إلا خمسين عاما ، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة سنة ، وقال أبو السعود : عاش نوح بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفا ومائتين سنة وأربعين وعن أنس ابن مالك قال : جاء ملك الموت إلى نوح فقال : يا أطول النبيين عمرا كيف وجدت الدنيا ولذتها ؟ قال كرجل دخل بيتا له بابان فقال{[1354]} في وسط البيت هنية ثم خرج من الباب الآخر .
{ فأخذهم الطوفان } أي الماء الكثير ، طاف بهم وعلاهم فغرقوا ، وارتفع على أعلى جبل أربعين ذراعا ، وقيل : خمسة حتى غرق كل شيء غير من في السفينة والفاء للتعقيب ، أي أخذهم عقب تمام المدة المذكورة ، والطوفان يقال لكل شيء كثير ، مطيف بجمع : محيط بهم ، من مطر أو قتل أو موت ، قاله النحاس . وقال سعيد بن جبير ، وقتادة والسدي : وهو المطر ، وقال الضحاك الغرق ، وقيل : الموت ، قال الشهاب ، ولكنه غلب في الماء كما هو المراد هنا .
{ وهم ظالمون } أي مستمرون على الظلم والشرك ولم ينجع فيهم ما وعظهم به نوح وذكرهم هذه المدة بطولها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.