{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } تفصيل ليروا ، ولذلك قرئ ( يره ) بالضم ، وقرأ هشام بإسكان الهاء ، ولعل حسنة الكافر وسيئة المجتنب عن الكبائر تؤثران في نقص الثواب والعقاب . وقيل : الآية مشروطة بعدم الإحباط والمغفرة ، أو من الأولى مخصوصة بالسعداء ، والثانية بالأشقياء ، لقوله : أشتاتا ، والذرة النملة الصغيرة ، أو الهباء .
ثم أخبر تعالى أنه من عمل عملاً رآه قليلاً كان أو كثيراً ، فخرجت العبارة عن ذلك بمثال التقليل ، وهذا هو الذي يسميه أهل الكلام مفهوم الخطاب ، وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكم واحد ، ومنه قوله تعالى : { فلا تقل لهما أف }{[11938]} [ الإسراء : 23 ] ، وهذا كثير ، وقال ابن عباس وبعض المفسرين : رؤية هذه الأعمال هي في الآخرة ، وذلك لازم من لفظ السورة وسردها ، فيرى الخير كله من كان مؤمناً ، والكافر لا يرى في الآخرة خيراً ؛ لأن خيره قد عجل له في الدنيا ، وكذلك المؤمن أيضاً تعجل له سيئاته الصغار في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها فيجيء من مجموع هذا أن من عمل من المؤمنين { مثقال ذرة } من خير أو شر رآه ، ويخرج من ذلك أن لا يرى الكافر خيراً في الآخرة ، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : قلت يا رسول الله : أرأيت ما كان عبد الله بن جدعان يفعله من البر وصلة الرحم وإطعام الطعام ، ألَهُ في ذلك أجر ؟ قال : «لا ؛ لأنه لم يقل قط : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين{[11939]} » ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسمي هذه الآية الجامعة الفادة ، وقد نص على ذلك حين سئل عن الحمر ، الحديث{[11940]} ، وأعطى سعد بن أبي وقاص سائلاً ثمرتين ، فقبض السائل يده ، فقال له سعد : ما هذا ؟ إن الله تعالى قبل منا مثاقيل الذر ، وفعلت نحو هذا عائشة في حبة عنب ، وسمع هذه الآية صعصعة بن عقال التيمي عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : حسبي ، لا أبالي أن لا أسمع غيرها{[11941]} ، وسمعها رجل عند الحسن ، فقال : انتهت الموعظة ، فقال الحسن : فقه الرجل . وقرأ هشام عن ابن عامر وأبو بكر عن عاصم : «يره » ، بسكون الهاء في الأولى والأخيرة ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي ونافع فيما روى عنه ورش والحلواني عن قالون عنه في الأولى «يرهو » وأما الآخرة فإنه سكون وقف ، وأما من أسكن الأولى فهي على لغة من يخفف أمثال هذا ومنه قول الشاعر :
ومطواي مشتاقان له أرقان{[11942]}
وهذه لغة لم يحكها سيبويه ؛ لكن حكاها الأخفش ، وقرأ أبو عمرو وحده بضم الهاء فيهما مشبعتان ، وقرأ أبان عن عاصم ، وابن عباس ، وأبو حيوة ، وحميد بن الربيع عن الكسائي : ( يره ) بضم الياء ، وهي رؤية بصر ، بمعنى : يجعله يدركه ببصره ، والمعنى : يرى ثوابه وجزاءه ؛ لأن الأعمال الماضية لا ترى بعين أبدا ، وهذا الفعل كله من " رأيت " بمعنى أدركت ببصري ، فتعديه إنما هو إلى مفعول واحد . وقرأ عكرمة : ( خيرا يراه ) و ( شرا يراه ) ، وقال النقاش : ليست برؤية بصر ، وإنما المعنى : يصيبه ويناله .
ويروى أن هذه السورة نزلت وأبو بكر رضي الله عنه يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فترك أبو بكر رضي الله عنه الأكل وبكى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ، ما يبكيك ؟ قال : يا رسول الله أو أسأل عن مثاقيل الذر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر ما رأيت في الدنيا مما تكره فمثاقيل ذر الشر ، ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير " {[11943]} .
و ( الذرة ) نملة صغيرة حمراء رقيقة لا يرجح بها ميزان ، ويقال : إنها تجري إذا مضى لها حول ، وقد تؤول ذلك في قول امرىء القيس :
من القاصرات الطرف لو دب محول** من الذر فوق الإتب منها لأثرا{[11944]}
وحكى النقاش أنهم قالوا : كان بالمدينة رجلان أحدهما لا يبالي عن الصغائر يرتكبها ، وكان الآخر يريد أن يتصدق فلا يجد إلا اليسير فيستحيي من الصدقة ، فنزلت الآية فيهما ، كأنه يقال لأحدهما : تصدق باليسير فإن مثقال ذرة الخير ترى ، وقيل للآخر : كف عن الصغائر فإن مقادير ذر الشر ترى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.