{ فِي مَقْعَدٍ صِدْقٍ } : أي في مجلس صِدْقٍ .
{ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } : أراد به عِنْديََّةَ القْرْبة والزلفة .
ويقال : مقعد الصدق أي مكان الصدق ، والصادق في عبادته مَنْ لا يتعبَّدُ على ملاحظة الأطماع ومطالعة الأعواض .
ويقال : مَنْ طلب الأعواض هَتَكَتْه الأطماع ، ومَنْ صَدَقَ في العبوديَّة تحرَّرَ عن المقاصد الدَّنِيَّة .
ويقال : مَنْ اشتغل بالدنيا حَجَبَتْه الدنيا عن الآخرة ، ومَنْ أَسَرَه نعيمُ الجنة حُجِبَ عن القيامة بالحقيقة ، ومَنْ قام بالحقيقة شُغِلَ عن الكوْن بجملته .
{ في مَقْعَدِ صِدْقٍ } في مكان مرضي على أن الصدق مجاز مرسل في لازمه أو استعارة ، وقيل : المراد صدق المبشر به وهو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أو المراد أنه ناله من ماله بصدقه وتصديقه للرسل عليهم السلام ، فالإضافة لأدنى ملابسة ، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه : مدح المكان بالصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق ، وهو المقعد الذي يصدق الله تعالى فيه مواعيد أوليائه بأنه يبيح عز وجل لهم النظر إلى وجهه الكريم ، وإفراد المقعد على إرادة الجنس .
وقرأ عثمان البتي في مقاعد على الجمع وهي توضح أن المراد بالمقعد المقاعد .
{ عِندَ مَلِيكٍ } أي ملك عظيم الملك ، وهو صيغة مبالغة وليست الياء من الإشباع { مُّقْتَدِرٍ } قادر عظيم القدرة ، والظرف في موضع الحال من الضمير المستقر في الجار والمجرور ، أو خبر بعد خبر ، أو صفة لمقعد صدق ، أو بدل منه ، والعندية للقرب الرتبي وذكر بعضهم أنه سبحانه أبهم العندية والقرب ونكر مليكاً ، ومقتدراً للإشارة إلى أن ملكه تعالى وقدرته عز وجل لا تدري الإفهام كنههما وأن قربهم منه سبحانه بمنزلة من السعادة والكرامة بحيث لا عين رأيت ولا أذن سمعت مما يجل عن البيان وتكل دونه الأذهان .
وأخرج الحكيم الترمذي عن بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { إِنَّ المتقين } [ القمر : 54 ] الخ قال : إن أهل الجنة يدخلون على الجبار كل يوم مرتين فيقرأ عليهم القرآن وقد جلس كل امرىء منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزمرد والذهب والفضة بالأعمال فلا تقرّ أعينهم قط كما تقرّ بذلك ولم يسمعوا شيئاً أعظم منه ولا أحسن منه ثم ينصرفون إلى رحالهم قريرة أعينهم ناعمين إلى مثلها من الغد وإذا صح هذا فهو من المتشابه كالآية فلا تغفل ، ولهذين الاسمين الجليلين شأن في استجابة الدعاء على ما في بعض الآثار .
أخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال : دخلت المسجد وأنا أرى أني أصبحت فإذا على ليل طويل وليس فيه أحد غيري فنمت فسمعت حركة خلفي ففزعت فقال : أيها الممتلىء قلبه فرقاً لا تفرق أو لا تفزع وقل اللهم إنك مليك مقتدر ما تشاء من أمر يكون ثم سل ما بدا لك قال : فما سألت الله تعالى شيئاً إلا استجاب لي وأنا أقول : اللهم إنك مليك مقتدر ما تشاء من أمر يكون فأسعدني في الدارين وكن لي ولا تكن علي وانصرني على من بغى علي وأعذني من هم الدين وقهر الرجال وشماتة الأعداء ، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين .
{ في مقعد صدق } : أي في مجلس حق لا لغو به ولا تأثيم .
{ عند مليك مقتدر } : عند مليك أي ذي ملك وسلطا مقتدر على ما يشاء وهو لله جل جلاله .
هم جالسون في مقعد صدق في مجلس حق لا لغو يسمع فيه ولا تأثيم يلحق جالسه عند مليك أي ذي ملك وسلطان مقتدر على فعل كل ما يريده سبحانه لا إله إلا هو ولا رب سواه .
- ذكر الجوار الكريم وهو مجاورة الله رب العالمين في الملكوت الأعلى في دار السلام .
{ في مقعد صدق عند مليك مقتدر }
{ في مقعد صدق } مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم أريد به الجنس ، وقرئ مقاعد ، المعنى أنهم في مجالس من الجنات سالمة من اللغو والتأثيم بخلاف مجالس الدنيا فقلَّ أن تسلم من ذلك وأعرب هذا خبراً ثانياُ وبدلاً وهو صادق ببدل البعض وغيره { عند مليك } مثال مبالغة ، أي عزيز الملك واسعه { مقتدر } قادر لا يعجزه شيء وهو الله تعالى وفيه إشارة إلى الرتبة والقربة من فضله تعالى
وقوله : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } أى : فى مكان مرضى ، وفى مجلس كريم ، لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة ، فالمراد بالمقعد مكان القعود الذى يقيم فيه الإنسان بأمان واطمئنان .
{ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } أى : مقربين عند ملك عظيم ، قادر على كل شىء .
فالمراد بالعندية هنا ، عندية الرتبة والمكانة والتشريف .
وقال - سبحانه - عند مليك ، للمبالغة فى وصفه - سبحانه - بسعة الملك وعظمه ، إذ وصفه - سبحانه - بمليك ، أبلغ من صوفه بمالك أو ملك ، لأن { مَلِيكٍ } صيغة مبالغة بزنة فعيل .
وتنكير " مقتدر " للتعظيم والتهويل ، وهو أبلغ من قادر ، إذ زيادة المبنى تشعر بزيادة المعنى . أى : عظيم القدرة بحيث لا يحيط بها الوصف .