قوله جلّ ذكره : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } .
يَسَّرنا قراءَتَه على ألسنةِ الناس ، ويسَّرنا عِلْمه على قلوبِ قوم ، ويسَّرنا فَهْمَه على قلوب قوم ، ويَسَّرْنا حِفْظَه على قلوبِ قومٍ ، وكلُّهم أهلُ القرآن ، وكلُّهم أهلُ القرآن ، وكلُّهم أهل الله وخاصته .
ويقال : كاشَفَ الأرواحَ من قوم - بالقرآن - قبل إدخالها في الأجساد .
{ ولقد يسرنا القرآن للذكر . . . } أي والله لقد سهلنا القرآن لقومك بأن أنزلناه بلغتهم عربيا مبينا ، وشحناه بأنواع المواعظ والعبر ، وصرّفنا فيه من الوعد والوعيد ؛ فهل من معتبر ومتعظ ! ؟
وقد وردت هذه الجملة القسمية في آخر قصة قوم نوح ، وقصة عاد ، وقصة ثمود ، وقصة قوم لوط ؛ تقريرا لمضمون ما سبق من قوله تعالى : " ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر . حكمة بالغة فما تغني النذر " . وتنبيها على أن كل قصة منها مستقلة بإيجاب الإدّكار ، كامية في الاردجار ؛ ومع ذلك لم يحصل منهم اعتبار .
{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } أي : ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم ، ألفاظه للحفظ والأداء ، ومعانيه للفهم والعلم ، لأنه أحسن الكلام لفظا ، وأصدقه معنى ، وأبينه تفسيرا ، فكل من أقبل عليه يسر الله عليه مطلوبه غاية التيسير ، وسهله عليه ، والذكر شامل لكل ما يتذكر به العاملون من الحلال والحرام ، وأحكام الأمر والنهي ، وأحكام الجزاء والمواعظ والعبر ، والعقائد النافعة والأخبار الصادقة ، ولهذا كان علم القرآن حفظا وتفسيرا ، أسهل العلوم ، وأجلها على الإطلاق ، وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أعين عليه ، قال بعض السلف عند هذه الآية : هل من طالب علم فيعان [ عليه ] ؟ ولهذا يدعو الله عباده إلى الإقبال عليه والتذكر بقوله : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ }
ثم بين - سبحانه - مظاهر فضله ورحمته على هذه الآمة ، حيث جعل كتابه ميسرا فى حفظه وفهمه ، فقال - تعالى - : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } .
أى : والله لقد سهلنا القرآن { لِلذِّكْرِ } أى : للتذكر والحفظ ، بأن أنزلناه فصيحا فى ألفاظه ، بليغا فى تراكيبه ، واضحا فى معانيه ، سهل الحفظ لمن أراد أن يحفظه . . . فهل من معتبر ومتعظ ، بقصصه ، ووعده ، ووعيده ، وأمره ، ونهيه ؟
وقد وردت هذه الآية فى أعقاب قصة نوح وهود وصالح ولوط - عليهم السلام - ، لتأكيد مضمون ما سبق فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ الأنبآء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النذر } وللتنبيه والإشعار بأن كل قصة من تلك القصص جديرة بإيجاب الاتعاظ ، وكافية فى الاعتبار والازدجار { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ } والمقصود بالآية الكريمة التحضيض على حفظ القرآن الكريم والاعتبار بمواعظه ، والعمل بما فيه من تشريعات حكيمة ، وآداب قويمة ، وهدايات سامية . .