{ وكذبوا واتبعوا أهواءهم } وهو ما زين لهم الشيطان من رد الحق بعد ظهوره ، وذكرهما بلفظ الماضي للإشعار بأنهما من عادتهم القديمة . { وكل أمر مستقر } منته إلى غاية من خذلان أو نصر في الدنيا وشقاوة ، أو سعادة في الآخرة فإن الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقر ، وقرئ بالفتح أي ذو مستقر بمعنى استقرار وبالكسر والجر على أنه صفة أمر ، وكل معطوف على الساعة .
{ وَكَذَّبُواْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَاءَهُمْ } : التكذيب واتباع الهوى قريبان ؛ فإِذا حَصَل اتباعُ الهوى فمِنْ شُؤْمِه يحصل التكذيب ؛ لأنَّ اللَّهَ يُلَبِّس على قلب صاحبه حتى لا يستبصر الرشد .
أما اتباع الرضا فمقرونٌ بالتصديق ؛ لأنَّ اللَّهَ ببركاتِ اتباع الحقِّ يفتح عينَ البصيرة فيحصل التصديقِ .
وكلُّ امرئ جَرَتْ له القِسْمةُ والتقدير فلا محالةَ . يستقر له حصولُ ما قُسِمَ وقدِّر له .
{ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } : يستقر عملُ المؤمنِ فتُوجَبُ له الجنة ، ويستقر عملُ الكافرِ فَيُجَّازَى .
أهواءهم : ما زيَّنه لهم الشيطان من الوساوس والأوهام .
وكل أمر مستقرّ : وكل أمر لابد وأن يستقر إلى غاية ، وينتهي إلى نهاية يستقرّ عليها .
3- { وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ } .
كذَّب المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يصدقوا القرآن ، ولم يعترفوا بإعجازه ، أو بمعجزة انشقاق القمر ، واتبعوا ما زين لهم الشيطان من الباطل ، وكل أمر من الأمور ينتهي إلى غاية يستقر عليها لا محالة ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
إنّ الخير يستقر بأهل الخير ، والشر يستقرّ بأهل الشر ، وكل أمر مستقر بأهله .
أهواءهم : ما زينه لهم الشيطانُ من الوساوس والأوهام .
مستقر : منتهٍ إلى غاية ينتهي إليها .
بذلك كذّبوا بالحق إذ جاءهم { واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } فهو منتهٍ إلى غاية يستقر عليها .
إن هذا الكون يا محمد يسير وفق قوانينَ منتظِمة محدّدة مستقرة . وإن أمرك أيها الرسول ، سينتهي إلى الاستقرار بالنصر في الدنيا والفوزِ بالجنّة في الآخرة .
وهذا من البهت ، الذي لا يروج إلا على أسفه الخلق وأضلهم عن الهدى والعقل ، وهذا ليس إنكارا منهم لهذه الآية وحدها ، بل كل آية تأتيهم ، فإنهم مستعدون لمقابلتها بالباطل{[924]} والرد لها ، ولهذا قال : { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا } ولم يعد الضمير على انشقاق القمر فلم يقل : وإن يروها بل قال : { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا } وليس قصدهم اتباع الحق والهدى ، وإنما قصدهم اتباع الهوى ، ولهذا قال : { وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } كقوله تعالى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ } فإنه لو كان قصدهم اتباع الهدى ، لآمنوا قطعا ، واتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، لأنه أراهم الله على يديه{[925]} من البينات والبراهين والحجج القواطع ، ما دل على جميع المطالب الإلهية ، والمقاصد الشرعية ، { وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ } أي : إلى الآن ، لم يبلغ الأمر غايته ومنتهاه ، وسيصير الأمر إلى آخره ، فالمصدق يتقلب في جنات النعيم ، ومغفرة الله ورضوانه ، والمكذب يتقلب في سخط الله وعذابه ، خالدا مخلدا أبدا .