{ إن هي إلا أسماء } الضمير للأصنام أي ما هي باعتبار الألوهية إلا أسماء تطلقونها عليها لأنهم يقولون أنها آلهة وليس فيها شيء من معنى الألوهية ، أو للصفة التي تصفونها بها من كونها آلهة وبنات وشفعاء ، أو للأسماء المذكورة فإنهم كانوا يطلقون اللات عليها باعتبار استحقاقها للعكوف على عبادتها ، والعزى لعزتها ومناة لاعتقادهم أنها تستحق أن يتقرب إليها بالقرابين . { سميتموها } سميتم بها .
{ أنتم وآباؤكم } بهواكم . { ما أنزل الله بها من سلطان } برهان تتعلقون به . { إن يتبعون } وقرئ بالتاء . { إلا الظن } إلا توهم أن ما هم عليه حق تقليدا وتوهما باطلا . { وما تهوى الأنفس } وما تشتهيه أنفسهم . { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } الرسول أو الكتاب فتركوه .
إن هي إلا أسماء : ما اللات والعزى ومناة إلا أسماء لا حقيقة لها ، وليست آلهة .
ما أنزل الله بها من سلطان : لم ينزل الله تعالى وحيا يأذن في عبادتها .
إن يتبعون إلا الظن : ما يتبع المشركون في عبادة أصنامهم إلا الظن والخرص والكذب .
وما تهوى الأنفس : وما تهواه أنفسهم ، وتميل إليه شهواتهم .
الهدى : هو هداية القرآن ، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
23- { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } .
ما هذه الأوثان والأصنام إلا أسماء مجردة عن المعاني ، ليس فيها من الألوهية إلاَّ الاسم المجرد ، فهي لا تخلق ولا تنفع ، ولا تسمع ولا تجيب ، ولكن آباءكم عبدوها فسرتم خلفهم بدون عقل أو فكر أو تأمل ، ولم ينزل وحي أو دليل من السماء يؤيد صحة عبادتكم لها ، وإنما أنتم تسيرون خلف الظنون والأوهام وهوى نفوسكم في عبادة هذه الجمادات الصمَّاء ، مع أن الهدى والرشاد قد جاء إليكم من الله تعالى على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
قال ابن الجوزي : وفيه تعجيب من حالهم إذا لم يتركوا عبادتها بعد وضوح البيان .
وقال ابن كثير : ليس لهم مستند إلاّ حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم ، وإلا حظ نفوسهم وتعظيم آبائهم الأقدمين ، ولقد أرسل إليهم الرسول بالحق المنير والحجة القاطعة ، ومع هذا ما اتبعوا ما جاءهم به رسولهم ولا انقادوا له .
{ إِنْ هِىَ } الضمير للأصنام أي ما الأصنام باعتبار الألوهية التي تدعونها { إِلاَّ أَسْمَاء } محضة ليس فيها شيء مّا أصلاً من معنى الألوهية ؛ وقوله تعالى : { سَمَّيْتُمُوهَا } صفة للأسماء وضميرها لها لا للأصنام ، والمعنى جعلتموها أسماء فإن التسمية نسبة بين الاسم والمسمى فإذا قيست إلى الاسم فمعناها جعله اسماً للمسمى وإن قيست إلى المسمى فمعناها جعله مسمى للاسم وإنما اختير ههنا المعنى الأول من غير تعرض للمسمى لتحقيق أن تلك الأصنام التي يسمونها آلهة أسماء مجردة ليس لها مسميات قطعاً كما في قوله سبحانه : { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء } [ يوسف : 40 ] الآية لا أن هناك مسميات لكنها لا تستحق التسمية ، وقيل : هي للأسماء الثلاثة المذكورة حيث كانوا يطلقونها على تلك الأصنام لاعتقادهم أنها تستحق العكوف على عبادتها والأعزاز والتقرب إليها بالقرابين ، وتعقب بأنه لو سلم دلالة الأسماء المذكورة على ثبوت تلك المعاني الخاصة للأصنام فليس في سلبها عنها مزيد فائدة بل إنما هي في سلب الألوهية عنها كما هو زعمهم المشهور في حق جميع الأصنام على وجه برهاني فإن انتفاء الوصف بطريق الأولوية أي ما هي شيء من الأشياء إلا أسماء خالية عن المسميات وضعتموها { أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ } بمقتضى الأهواء الباطلة { مَّا أَنزَلَ الله بِهَا مِن سلطان } برهان يتعلقون به { إِن يَتَّبِعُونَ } أي ما يتبعون فيما ذكر من التسمية والعمل بها { إِلاَّ الظن } إلا توهم أن ما هم عليه حق توهماً باطلاً ، فالظن هنا مراد به التوهم وشاع استعماله فيه ، ويفهم من كلام الراغب أن التوهم من أفراد الظن { وَمَا تَهْوَى الانفس } أي والذي تشتهيه أنفسهم الأمارة بالسوء على أن { مَا } موصولة وعائدها مقدر وأل في الأنفس للعهد ، أو عوض عن المضاف إليه ، وجوز كون { مَا } مصدرية وكذا جوز كون أل للجنس والنفس من حيث هي إنما تهوى غير الأفضل لأنها مجبولة على حب الملاذ وإنما يسوقها إلى حسن العاقبة العقل ، والالتفات في { يَتَّبِعُونَ } إلى الغيبة للإيذان بأن تعداد قبائحهم اقتضى الإعراض عنهم ، وحكاية جناياتهم لغيرهم ، وقرأ ابن عباس . وابن مسعود . وابن وثاب . وطلحة . والأعمش وعيسى بن عمر تتبعون بتاء الخطاب { وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ الهدى } حال من ضمير .
{ إن هي إلا أسماء سميتموها } : أي ما اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى إلا أسماء لا حقيقة لها .
{ أنتم وآباؤكم } : أي سميتموها بها أنتم وآباؤكم .
{ ما أنزل الله بها من سلطان } : أي لم ينزل الله تعالى وحياً يأذن في عبادتها .
{ إن يتبعون إلا الظن } : أي ما يتبع المشركون في عبادة أصنامهم إلا الظن والخرص والكذب .
{ وما تهوى الأنفس } : أي وما يتبعون الا ما تهواه نفوسهم وما تميل إليه شهواتهم .
إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم . إن أصنامكم أيها المشركون لا تعدو كونها أسماء لآلهة لا وجود لها ولا حقيقة في عالم الواقع إذ لا إله إلا الله ، أما اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فلم تكن آلهة تحيى وتميت وتعطى وتمنع وتضر وتنفع . إن هي أي ما هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان أي لم ينزل بها وحياً يأذن بعبادتها . وهنا التفت الجبار جل جلاله في الخطاب عنهم وقال { إنْ يتَّبعون إلاَّ الظن } أي إن هؤلاء المشركين ما يتبعون في عبادة هذه الأصنام إلاَّ الظن ، فلا يقين لهم في صحة عبادتها .
كما يتبعون في عبادتها { وما تهوى الأنفس } أي هوى أنفسهم { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } فبيَّن لهم الصراط السوي فأعرضوا عنه وهو لحق من ربهم .
- بيان أن المشركين في كل زمان ومكان ما يتبعون في عبادة غير الله إلا أهواءهم .