المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (96)

96- فإن ما عندكم - أيها الناس - من نعيم ينفد وينتهي مهما طال زمنه ، وما عند اللَّه من نعيم الآخرة خالد لا ينقطع ، ولنكافئن الذين صبروا على مشاق التكاليف بما وعدناهم به ، من حسن الثواب المضاعف على أعمالهم ، ينعمون به نعيما دائما في الآخرة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (96)

{ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ } ، أي : يفرغ وينقضي ، فإنه إلى أجل معدود محصور مقدَّر مُتَناه ، { وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ } ، أي : وثوابه لكم في الجنة باق لا انقطاع ولا نفاد له ، فإنه دائم لا يحول ولا يزول ، { وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، قسم من الرب عز وجل{[16681]} مُتَلقى باللام ، أنه يجازي الصابرين بأحسن أعمالهم ، أي : ويتجاوز عن سيئها .


[16681]:في ف: "جل شأنه".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (96)

{ ما عندكم } ، من أعراض الدنيا . { ينفذ } ، ينقضي ويفنى . { وما عند الله } ، من خزائن رحمته ، { باقٍ } لا ينفذ ، وهو تعليل للحكم السابق ودليل على أن نعيم أهل الجنة باق . { وليجزينّ الذين صبروا أجرهم } ، على الفاقة وأذى الكفار ، أو على مشاق التكاليف . وقرأ ابن كثير وعاصم بالنون . { بأحسن ما كانوا يعملون } ، بما يرجع فعله من أعمالهم كالواجبات والمندوبات ، أو بجزاء أحسن من أعمالهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (96)

« ما عند الله » هو ما ادّخره للمسلمين من خير في الدنيا وفي الآخرة ، كما سننبّه عليه عند قوله تعالى : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن } [ سورة النحل : 97 ] الآية ؛ فخير الدنيا الموعود به أفضل مما يبذله لهم المشركون ، وخير الآخرة أعظم من الكلّ ، فالعندية هنا بمعنى الادِّخار لهم ، كما تقول : لك عندي كذا ، وليست عندية ملك الله تعالى كما في قوله : { وعنده مفاتح الغيب } [ سورة الأنعام : 59 ] وقوله { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } [ سورة الحجر : 21 ] وقوله : { وما عند الله باق } .

و { إنما } هذه مركّبة من ( إن ) و ( مَا ) الموصولة ، فحقّها أن تكتب مفصولة ( ما ) عن ( إنّ ) لأنها ليست ( ما ) الكافّة ، ولكنها كتبت في المصحف موصولة اعتباراً لحالة النّطق ولم يكن وصل أمثالها مطّرداً في جميع المواضع من المصحف .

ومعنى { إن كنتم تعلمون } إن كنتم تعلمون حقيقة عواقب الأشياء ولا يغرّكم العاجل . وفيه حثّ لهم على التأمّل والعلم .

وجملة { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } تذييل وتعليل لمضمون جملة { إنما عند الله هو خير لكم } بأن ما عند الله لهم خير متجدّد لا نفاد له ، وأن ما يعطيهم المشركون محدود نافد لأن خزائن الناس صائرة إلى النفاد بالإعطاء وخزائن الله باقية .

والنفاد : الانقراض . والبقاء : عدم الفناء .

أي ما عند الله لا يفنى فالأجدر الاعتماد على عطاء الله الموعود على الإسلام دون الاعتماد على عطاء الناس الذين ينفَد رزقهم ولو كَثُر .

وهذا الكلام جرى مجرى التذييل لما قبله ، وأرسل إرسال المثل فيحمل على أعمّ ، ولذلك كان ضمير { عندكم } عائداً إلى جميع الناس بقرينة التذييل والمثل ، وبقرينة المقابلة بما عند لله ، أي ما عندكم أيها الناس ما عند الموعود وما عند الواعد ، لأن المنهيّين عن نقض العهد ليس بيدهم شيء .

ولما كان في نهيهم عن أخذ ما يعدهم به المشركون حَمْلٌ لهم على حرماننِ أنفسهم من ذلك النّفع العاجل وُعِدو الجزاء على صبرهم بقوله تعالى : { وليجزينّ الذين صبروا أجرهم } .

قرأه الجمهور { وليجزين } بياء الغيبة . والضمير عائد إلى اسم الجلالة من قوله تعالى : { بعهد الله } وما بعده ، فهو النّاهي والواعد فلا جرم كان هو المجازي على امتثال أمره ونهيه .

وقرأه ابن كثير وعاصم وابن ذكوان عن ابن عمر في إحدى روايتين عنه وأبو جعفرَ بنون العظمة فهو التفات .

و { أجرهم } منصوب على المفعولية الثانية ل« يَجزين » بتضمينه معنى الإعطاء المتعدّي إلى مفعولين .

والباء للسببية . و « أحسن » صيغة تفضيل مستعملة للمبالغة في الحسن . كما في قوله تعالى : { قال ربّ السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه } [ سورة يوسف : 33 ] ، أي بسبب عملهم البالغ في الحسن وهو عمل الدوام على الإسلام مع تجرّع ألم الفتنة من المشركين . وقد أكد الوعد بلام القسم ونون التوكيد .