بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (96)

{ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله } ، أي : لا تختاروا على عهد الله ، والحلف به { ثَمَناً قَلِيلاً } ، أي : عرضاً يسيراً من الدنيا . { إِنَّمَا عِنْدَ الله } في الآخرة من الثواب الدائم { هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } ، أي : ثواب الجنة . { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أَن الآخرة خير من الدنيا . ويقال : إن كنتم تصدقون بثوابه . قال الكلبي : نزلت الآية في رجل من حضرموت يقال له : عبدان بن الأشوع . قال : يا رسول الله إنّ امرأ القيس الكندي جاورني في أرض ، فاقتطع أرضي ، فذهب بها ، وغلبني عليها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَيَشْهَدُ لَكَ أَحَدٌ عَلَى ما تَقُولُ " قال : يا رسول الله إِنَّ القوم كلهم يعلمون أنِّي صادق فيما أقول ، ولكنه أكرم عليهم مني عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرىء القيس : " مَا يَقُولُ صَاحِبُكَ " ، قال : الباطل ، والكذب . فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحلف . فقال عبدان : إنه لفاجر ، وما يبالي أن يحلف . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ شُهُودٌ فَخُذْ يَمِينَهُ " ، فقال عبدان : وما لِي يا رسول الله إلا يمينه ؟ فقال : «لا » ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلف . فلما قام ليحلف ، أخره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : " انْصَرِفْ " . فانصرف من عنده . فنزلت هذه الآية : { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله ثَمَناً قَلِيلاً } ، إلى قوله : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ } ، أي : ما عندكم من أمور الدنيا يفنى ، { وَمَا عِندَ الله بَاقٍ } ، أي : ثواب الله في الجنة دائم لأَهلها . { وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صَبَرُواْ } ، عن اليمين وأقروا بالحق . ويقال : الذين صبروا على الإيمان ، وأقروا بالحق ، { أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، يعني : بالإحسان الذي كانوا يعملون في الدنيا . ويقال : يجزيهم بأحسن أعمالهم ، ويبقى سائر أعمالهم فضلاً . قال الكلبي : فلما نزلت هاتان الآيتان ، قال امرؤ القيس : أَمَّا ما عندي فينفد ، وأمَّا صاحبي فيجزى بأَحسن ما كان يعمل . اللَّهم إنه صادق فيما قال . لقد اقتطعت أرضه ، والله ما أدري كم هي ، ولكنه يأخذ ما يشاء من أرض ومثلها معها بما أكلت من ثمارها . فنزل : { مَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } ، يعني : لا يقبل العمل منه ما لم يكن مؤمناً . فإذا كان مؤمناً ، وعمل صالحاً ، يقبل منه .

ثم قال : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيّبَةً } ، في الجنة . ويقال : يجعل حياته في طاعة الله . ويقال : فلنقنع منه باليسير من الدنيا . وروي عن ابن عباس أنه قال : الكسب الطيب ، والعمل الصالح . وعن علّي أنه قال : القناعة . وقال الحسن : لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة . وقال الضحاك : الرزق الحلال ، وعبادة الله تعالى .

ثم قال : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم } ، أي : ثوابهم ، { بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، أي : يثيبهم بإحسانهم ، ويعفو عن سيئاتهم . قرأ ابن كثير ، وعاصم وابن عامر في إحدى الروايتين : { وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صَبَرُواْ } ، بالنون . وقرأ الباقون : بالياء . واتفقوا في قوله : «وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ » ، بالنون .