الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (96)

قوله تعالى : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ } : مبتدأ وخبر . والنَّفَادُ : الفناءُ والذِّهابُ ، يقال : نَفِذ بكسر العين يَنْفَذُ بفتحها نَفَاذاً ونُفُوذاً . وأمَّا " نَفَذَ " بالذالِ المعجمة ، فَفِعْلُه نَفذَ بالفتح يَنْفُذُ بالضم ، وسيأتي . ويُقال : أَنْفَد القومُ . فَنِي زادُهم ، وخَصْمٌ مُنافِدٌ ، لِيَنْفِد حجةَ صاحبِه ، يقال : نافَدْتُه فَنَفِدْتُه .

وقوله : " باقٍ " ، قد تقدَّم الكلامُ في الوقف عليه في الرعد .

قوله : { وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ } ، قرأ ابن كثير وعاصم وابن ذكوان : { وَلَنَجْزِيَنَّ } بنونِ العظمة ، التفاتاً من الغَيْبة إلى التكلم . وتقدَّم تقريرُ الالتفاتِ . والباقون : بياء الغَيْبة رجوعاً إلى اللهِ لتقدُّم ذكرِه العزيز في قولِه تعالى : / { وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ } .

وقوله : { بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ } ، يجوز أن تكونَ أَفْعَل على بابِها من التفضيل ، وإذا جازاهم بالأحسنِ فَلأَنْ يُجازِيَهم بالحَسَن من باب الأَوْلَى . وقيل : ليسَتْ للتفضيلِ ، وكأنهم فَرُّوا مِنْ مفهومِ أفْعل ؛ إذ لا يلزم من المجازاةِ بالأحسنِ المجازاةُ بالحَسَن . وهو وَهْمٌ لما تقدَّم مِنْ أنه مِنْ مفهوم الموافقة بطريق الأَوْلى .