فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (96)

{ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( 96 ) }

ثم ذكر دليلا قاطعا على حقارة عرض الدنيا وخيرية ما عند الله فقال : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ } ، والنفاذ : الفناء والذهاب ، يقال : نفذ بكسر العين ينفذ بفتحها نفاذا ونفوذا ، وأما نفذ بالمعجمة ففعله نفذ بالفتح ينفذ بالضم ، ويقال : أنفذ القوم ، إذا فنى زادهم ، وباق بثبوت الياء وحذفها مع سكون القاف وهما سبعيتان .

ومعلوم لكل عاقل أن ما ينفذ ويزول وإن بلغ في الكثرة إلى أي مبلغ ، فهو حقير يسير ، وما كان يبقى ولا يزول فهو كثير جليل ، أما نعيم الآخرة فظاهر ، وأما نعيم الدنيا الذي أنعم الله به على المؤمنين فهو وإن كان زائلا ، لكنه لما كان متصلا بنعيم الآخرة كان من هذه الحيثية في حكم الباقي الذي لا ينقطع .

ثم قال : { وَلَنَجْزِيَنَّ } ، بالنون ففيه التفات ، وقرئ بالياء واللام ، هي الموطئة للقسم ، أي : والله لنجزين { الَّذِينَ صَبَرُواْ } ، بسبب صبرهم على ما نالهم من مشاق التكليف والفاقة ، وجهاد الكافرين والصبر على ما ينالهم منهم من الأذى ، { أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، من الطاعات ، قيل : وإنما خص أحسن أعمالهم ؛ لأن ما عداه وهو الحسن مباح ، والجزاء إنما يكون على الطاعة ، وقيل : المعنى : ولنجزينهم بجزاء أشرف وأوفر من أعمالهم ، كقوله : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } .

وقيل : { أحسن } هنا ليس للتفضيل ، بل بمعنى الحسن ، أو لنجزينهم بحسب أحسن أفراد أعمالهم ، على معنى لنعطينهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيهم بمقابلة الفرد الأعلى منها من الجزاء الجزيل ، لا أنا نعطي الأجر بحسب أفرادها المتفاوتة في مراتب الحسن ، بأن نجزي الحسن منها بالأجر الحسن ، والأحسن بالأحسن ، كذا قيل ، وفيه ما لا يخفى من العدة الجميلة باغتفار ما عسى يعتريهم في تضاعيف الصبر من بعض جزع ، ونظمه في سلك الصبر الجميل .