البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (96)

نفذ الشيء ينفذ فنى .

وقال ابن عطية : هذه آية نهي عن الرشا وأخذ الأموال على ترك ما يجب على الآخذ فعله ، أو فعل ما يجب عليه تركه ، فإن هذه هي التي عهد الله إلى عباده فيها وبين تعالى الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة ، بأنّ هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان ، وينقضي عنها ، والتي في الآخرة باقية دائمة .

ودل قوله : وما عند الله باق ، على أن نعيم الجنة لا ينقطع ، وفي ذلك حجة على جهم بن صفوان إذ زعم أن نعيم الجنة منقطع .

وقرأ عاصم ، وابن كثير : ولنجزين بالنون ، وباقي السبعة بالياء .

وصبروا : أي جاهدوا أنفسهم على ميثاق الإسلام وأذى الكفار ، وترك المعاصي ، وكسب المال بالوجه الذي لا يحل بأحسن ما كانوا يعملون .

قيل : من التنفل بالطاعات ، وكانت أحسن لأنها لم يحتم فعلها ، فكان الإنسان يأتي بالتنفلات مختاراً غير ملزوم بها .

وقيل : ذكر الأحسن ترغيباً في عمله ، وإن كانت المجازاة على الحسن والأحسن .

وقيل : الأحسن هنا بمعنى الحسن ، فليس أفعل التي للتفضيل .

والذي يظهر أنّ المراد بالأحسن هنا الصبر أي : وليجزين الذين صبروا بصبرهم أي : بجزاء صبرهم ، وجعل الصبر أحسن الأعمال لاحتياج جميع التكاليف إليه ، فالصبر هو رأسها ، فكان الأحسن لذلك .