كما أن قوله تعالى : { مَا عِندَكُمْ } ، تعليلٌ للخيرية بطريق الاستئنافِ ، أي : ما تتمتعون به من نعيم الدنيا وإن جل ، بل الدنيا وما فيها جميعاً ، { يَنفَدُ } ، وإن جمّ عددُه ، وينقضي وإن طال أمدُه . { وَمَا عِندَ الله } من خزائن رحمتِه الدنيوية والأخروية { بَاقٍ } لا نفادَ له ، أما الأخرويةُ فظاهرةٌ ، وأما الدنيويةُ فحيث كانت موصولةً بالأخروية ومستتبِعةً لها ، فقد انتظمت في سِمْط الباقيات .
وفي إيثار الاسمِ على صيغة المضارعِ من الدلالة على الدوام ما لا يخفى ، وقوله تعالى : { وَلَنَجْزِيَنَّ } ، بنون العظمة على طريقة الالتفاتِ ، تكريرُ الوعد المستفادِ من قوله تعالى : { إِنَّمَا عِنْدَ الله هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } ، على نهج التوكيدِ القسميِّ مبالغةٌ في الحمل على الثبات في الدين ، والالتفاتُ عما يقتضيه ظاهرُ الحال من أن يقال : ولنجزينكم أجركم بأحسن ما كنتم تعملون ، للتوسل إلى التعرض لأعمالهم والإشعارِ بعليتها للجزاء ، أي : والله لنجزين { الذين صَبَرُواْ } على أذية المشركين ، ومشاقِّ الإسلام التي من جملتها الوفاءُ بالعهود والفقرُ ، وقرئ بالياء من غير التفاتٍ ، { أَجْرَهُمْ } مفعولٌ ثانٍ لنجزين ، أي : لنُعطِينّهم أجرَهم الخاصَّ بهم بمقابلة صبرِهم على ما مُنوا به من الأمور المذكورة ، { بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، أي : لنجزينهم بما كانوا يعملونه من الصبر المذكورِ ، وإنما أضيف إليه الأحسنُ ؛ للإشعار بكمال حسنِه ، كما في قوله سبحانه : { وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة } ، لا لإفادة قصرِ الجزاءِ على الأحسن منه دون الحسَن ، فإن ذلك مما لا يخطر ببال أحد ، لاسيما بعد قوله تعالى : { أَجْرَهُمْ } و { لنجزينهم } ، بحسب أحسنِ أفرادِ أعمالِهم ، على معنى : لنعطينهم بمقابلة الفردِ الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيه بمقابلة الفردِ الأعلى منها من الأجر الجزيلِ ، لا أنا نُعطي الأجر بحسب أفرادِها المتفاوتةِ في مراتب الحسن ، بأن نجزيَ الحسنَ منها بالأجر الحسَنِ ، والأحسنَ بالأحسن . وفيه ما لا يخفى من العُهدة الجميلة باغتفار ما عسى يعتريهم في تضاعيف الصبر من بعض جزَعٍ ، ونظمِه في سلك الصبر الجميل ، أو لنجزينهم بجزاءٍ أحسنَ من أعمالهم . وأما التفسيرُ بما ترجح فعلُه من أعمالهم ، كالواجبات والمندوبات ، أو بما ترجح تركُه أيضاً ، كالمحرمات والمكروهات ، دلالةً على أن ذلك هو المدارُ للجزاء دون ما يستوي فعلُه وتركُه كالمباحات ، فلا يساعده مقامُ الحثِّ على الثبات على ما هم عليه من الأعمال الحسنةِ المخصوصة والترغيبِ في تحصيل ثمراتها ، بل التعرضُ لإخراج بعض أعمالِهم عن مدارية الجزاءِ من قبيل تحجيرِ الرحمةِ الواسعة في مقام توسيعِ حِماها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.