المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (100)

100- لا يمكن لإنسان أن يؤمن إلا إذا اتجهت نفسه إلى ذلك ، وهيَّأ الله لها الأسباب والوسائل ، أما من لم يتجه إلى الإيمان فهو مستحق لسخط الله وعذابه ، وسنة الله أن يجعل العذاب والغضب على الذين ينصرفون عن الحُجج الواضحة ولا يتدبرونها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (100)

يقول تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ } - يا محمد - لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به ، فآمنوا كلّهم ، ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى كما قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 118 ، 119 ] ، وقال تعالى : { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا } [ الرعد : 31 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ } أي : تلزمهم وتلجئهم { حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } أي : ليس ذلك عليك ولا إليك ، بل [ إلى ]{[14435]} الله { يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] ، { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [ البقرة : 272 ] ، { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] ، { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [ القصص : 56 ] ، { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ } [ الرعد : 40 ] ، { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصيْطِرٍ } [ الغاشية : 21 ، 22 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى هو الفعال لما يريد ، الهادي من يشاء ، المضل لمن يشاء ، لعلمه وحكمته وعدله ؛ ولهذا قال : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ } {[14436]} وهو الخبال{[14437]} والضلال ، { عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ } أي : حججَ الله وأدلته ، وهو العادل في كل ذلك ، في هداية من هدى ، وإضلال من ضل .


[14435]:- زيادة من ت.
[14436]:- في ت : "يؤمن".
[14437]:- في ت : "الجبال".

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (100)

{ وما كان لنفس أن تؤمن } بالله . { إلا بإذن الله } إلا بإرادته وألطافه وتوفيقه فلا تجهد نفسك في هداها فإنه إلى الله . { ويجعل الرّجس } العذاب أو الخذلان فإن سببه . وقرئ بالزاي وقرأ أبو بكر " ونجعل " بالنون . { على الذين لا يعقلون } لا يستعملون عقولهم بالنظر في الحجج والآيات ، أو لا يعقلون دلائله وأحكامه لما على قلوبهم من الطبع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (100)

وقوله تعالى : { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله } الآية ، رد إلى الله تعالى وإلى أن الحول والقوة لله ، في إيمان من يؤمن وكون الرجس على الكفار ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «ونجعل الرجس » بنون العظمة ، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم : «ويجعل » بالياء وقرأ الأعمش : «ويجعل » الله الرجس « ، و { الرجس } يكون بمعنى العذاب كالرجز ، ويكون بمعنى القذر والنجاسة ذكره أبو علي هنا وغيره وهو في هذه الآية بمعنى العذاب ، و { لا يعقلون } يريد آيات الله وحجج الشرع . ومعنى «الإذن »في هذه الآية الإرادة والتقدير لذلك ، فهو العلم والتمكين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (100)

عطف على جملة : { أفأنت تكره الناس } [ يونس : 99 ] لتقرير مضمونها لأن مضمونها إنكار أن يقدر النبي صلى الله عليه وسلم على إلجاء الناس إلى الإيمان لأن الله هو الذي يقدر على ذلك .

ويجوز أن تكون الواو للحال من ضمير المخاطب ، أي كيف يمكنك أن تكره الناس على الإيمان والحال أنه لا تستطيع نفس أن تؤمن إلا بإذن الله لها بالإيمان .

والإذن : هنا إذن تكوين وتقدير . فهو خلْق النفس مستعدة لقبول الحق مميزة بين الحق والباطل ، والصلاح والفساد ، متوصلة بالنظر الصحيح إلى معرفة ما ينبغي أن يُتبع وما لا ينبغي ، متمكنة بصحة الإرادة من زجر داعية الهوى والأعراض العاجلة ومن اتباع داعية الحق والعاقبة الدائمة حتى إذا وُجه إليها الإرشاد حصل فيها الهدى .

ويومىء إلى هذا المعنى من الإذن قوله في مقابله { ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون } فقابَلَ هذه الحالة بحالة الذين لا يعقلون فعلم أن حالة الإيمان حالة من يعقلون ، فبينت آية { ولو شك ربك لآمن مَن في الأرض } [ يونس : 99 ] أن إيمان من لم يؤمن هو لعدم مشيئة الله إيمانه . وبينت هذه الآية أن إيمان من آمن هو بمشيئة الله إيمانه ، وكلاهما راجع إلى تقدير التكوين في النفوس والعقول .

والرجس : حقيقته الخبث والفساد . وأطلق هنا على الكفر ، لأنه خبث نفساني ، والقرينة مقابلته بالإيمان كالمقابلة التي في قوله : { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً إلى قوله : { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 124 ، 125 ] . والمعنى : ويوقع الكفر على الذين لا يعقلون . والمراد نفي العقل المستقيم ، أي الذين لا تهتدي عقولهم إلى إدراك الحق ولا يستعملون عقولهم بالنظر في الأدلة .

و{ على } للاستعلاء المجازي المستعمل في التمكن .

وقرأ الجمهور { ويجعل الرجس } بياء الغيبة ، والضمير عائد إلى اسم الجلالة الذي قبله . وقرأه أبو بكر عن عاصم { ونجعل } بنون العظمة .