اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (100)

قوله : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ } كقوله : { أَنْ تَمُوتَ } [ آل عمران : 145 ] وقد تقدم في آل عمران [ 145 ] . والمعنى : ما ينبغي لنفس . وقيل : ما كانت لتؤمن إلاَّ بإذنِ الله . قال ابن عبَّاسٍ : بأمر الله{[18624]} . وقال عطاءٌ : بمشيئة الله{[18625]} . وقيل : بعلم الله . " ويَجْعَلُ " قرأ أبو بكر{[18626]} عن عاصم بنون العظمة . والباقون : بياء الغيبةِ وهو الله تعالى . وقرأ الأعمش " ويجعلُ{[18627]} الرجز " بالزاي دون السين ، وقد تقدَّم هل هما بمعنى ، أو بينهما فرقٌ ؟ [ الأعراف : 134 ] ثم قال : { عَلَى الذين لاَ يَعْقِلُونَ } أي : من الله أمره ونهيه .

فصل

احتجُّوا بقوله : { وَيَجْعَلُ الرجس عَلَى الذين لاَ يَعْقِلُونَ } على أنَّ خالق الكفر والإيمان هو الله تعالى ، وتقريره : أنَّ الرِّجْسَ قد يراد به : العملُ القبيحُ ، قال تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } [ الأحزاب : 33 ] والمراد من الرِّجْسٍ هنا : العملُ القبيحُ سواء كان كفراً أو معصية ، وبالتَّطهير : نقل العبد من رجس الكفر ، والمعصية إلى طهارة الإيمان ، والطَّاعة ، فلما ذكر الله تعالى فيما قبل هذه الآية أنَّ الإيمان إنَّما يحصلُ بمشيئة الله وتخليقه ، ذكر بعد أنَّ الرِّجْسَ لا يحصلُ إلاَّ بتخليقه . والرِّجْسُ الذي يقابلُ الإيمان ليس إلاَّ الكفر .

وأجاب أبو علي الفارسي النحوي عنه فقال : الرِّجْسُ ، يحتمل وجهين آخرين .

أحدهما : أن يكون المراد منه العذاب ، فيكون المعنى : يلحق العذاب بالذين لا يعقلون ، كقوله { وَيُعَذِّبَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } [ الفتح : 6 ] . الثاني : أنَّه تعالى حكم عليهم بأنَّهم نجس ، كما قال : { إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ } [ التوبة : 28 ] أي : أنَّ الطَّهارة الثابتة للمسلمين لم تحصل لهم .

وأجابُوا : أنَّ حمل الرجس على العذاب باطلٌ ؛ لأنَّ الرِّجْسَ عبارة عن الفاسد المستقذر المستكره فحمل هذا اللفظ على كفرهم وجهلهم أولى من حمله على عذاب الله مع كونه حقّاً صِدْقاً صواباً . وأمَّا حمل الرِّجْسِ على حكم الله برجاستهم ، فهو في غاية البعد ؛ لأنَّ حكم الله تعالى بذلك صفته ، فكيف يجوز أن يقال : إنَّ صفة الله رجسٌ ، فثبت أنَّ دلالة الآية على الكفر ظاهرةٌ .


[18624]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/370).
[18625]:انظر المصدر السابق.
[18626]:ينظر: السبعة ص (330)، الحجة 4/306، إعراب القراءات 1/276، إتحاف فضلاء البشر 2/120.
[18627]:ينظر: الكشاف 2/373، المحرر الوجيز 3/145، البحر المحيط 5/193، الدر المصون 4/70.